Search This Blog

Tuesday, January 10, 2012

الصدمة

عندما يقول أحدهم أنا طاير من السعادة فلا تحسبن أن هذه مبالغة
فاليوم شعرت أنى أطير من السعادة
وكيف لا؟ وقد وفقنى الله أن أعمل معه
مع أستاذى
هذا الرجل الذى علمنى الأخلاقيات
هذا الرجل الذى زرع في ما لم يزرعه فى أبى وأمى
أنه المعلم والقدوة
كان يتكلم فاستمع إليه وأنا على رأسى الطير
وكنت ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
لذا فقد كنت أبادر بتنفيذ كل شىء يقوله
اجتهدت ﻷغير نفسى
ﻷجعلها مثال للشرف والأمانة وحب الخير
كم  أثر فى
كم أنا مدينة له بالفضل

واليوم اختارنى ﻷعمل معه بعد تخرجى
  سأكون معيدة  للمادة التى يدرسها
سأكون ذراعه اليمنى
سأقضى معه أوقاتًا أطول
سأتناقش معه واكتسب المزيد من علمه وخبرته
كل زملائى يحسدونى على هذا الشرف العظيم
أنى سأكون مساعدة الأستاذ
.....

فى البداية كذبت نفسى كثيرًا
فقد كان أستاذى أقرب ما يكون لديكتاتور
لا يقبل المناقشة فى أى تفصيلة
يريد أن يتم تدريس كل شىء كما يراه ويريده
كنت اجتهد فى عملى وأحضر من مراجع آخرى غير الكاتب القديم الذى يحضر منه
ولكنه كان لا يقبل بأى من هذا
ويصر على رأيه حتى لو تبين له خطأه
اتهمت نفسى بأنى غير مهذبة
وأنى لا أعرف كيف أعرض الأمر عليه بلباقة حتى يتقبله
كان أهون على أن أصدق أنى أنا الجاهلة
على أن أتهمه بأى نقيصة
فى النهاية استسلمت
اعتبرت أنه قائد الربان فليوجهه كما يشاء
وفقدت حماسى له ولكلماته عن حرية الرأى والإبداع
التى كان يرددها على مسامعنا ونحن طلاب
وما زال يرددها
كنت أسمعه فأقول فى نفسى
"أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم"
-----
اتضح أن الحياة ما زالت تدخر لى ما هو أبشع من أسوأ كوابيسى
فى يوم مرضت زوجة أستاذى وذهبت لزيارتها
فأعطانى مفتاح مكتبه لأحضر له أوراقًا هامة
دخلت المكتب ورأيت أوراق امتحانات آخر العام
شعرت بالفضول أن أعرف بماذا أجاب الطلاب
فأخذت اتصفح الأوراق حتى توقفت أمام ورقة امتحان
"الواد ده حمار"
هتفت داخل نفسى..إجابته غبية جدًا
ولكن ما هذا الذى أراه
أستاذى أعطى له درجات عالية جدًا
ربما فى الأمر خطأ
لا ليس بخطأ على الإطلاق
فهناك تعمد واضح جدًا لإعطاء هذا الطالب أكثر بكثير مما يستحق
هذا الطالب يستحق الرسوب بجدارة
ولكن أستاذى أعطى له جيد جدًا
ولكن من هذا الطالب؟
الأسماء سرية
ولكن هناك علامة فى الورق
علامة واصحة لا تخطأها أى عين
خطين بالأزرق مسطرين من فوق
و3 خطوط بالأحمر من تحت
واضح أن أستاذى كان يعرف لمن هذه الورقة
أتكون ورقة ابن الوزير؟!!!!!
جريت على مكتبى
ونثرت التمارين التى لم أصححها بعد على الأرض
حتى وقعت عيناى على ورقة ابن الوزير
وكان تطابق الخطوط لا تخطأه أى عين
فلا يمكن أن يتواجد اثنان بهذا الخط الزبالة فى الدفعة

مادت الأرض بى وقد اكتشفت الكارثة
جعلت أتحسس الحائط لاستطيع المشى دون أن أقع
أمعقول هذا؟؟؟
أستاذى العظيم ...رجل الأخلاق والمبادىء
 يخطأ هذه الخطأ الأخلاقى الفادح
يبيع ضميره!!!
بماذا أغروه؟!! ربما هددوه؟!!
ولماذا استسلم؟
لماذا لم يقل "لا"؟
-------
قضيت أيامًا فى السرير فى شبه اكتئاب
لم أكن استطع أن أفضفض ﻷى مخلوق
كيف أشوه صورته؟ كيف أقضى بيدى على قدوة زملائى؟
كيف أفتنهم به؟
لا لن أفعل....تذكرت قوله تعالى "ولا تنسوا الفضل بينكم"
شعرت أن الصمت هو أحسن طريقة لرد الجميل
ولكنى لن استطيع أن أتعامل معه بعد اليوم
أنا بشر

استقلت وسافرت للخارج
كانت الصدمة كفيلة أن تدمر كل معنى جميل بداخلى
ولكن رحمة ربى كانت أوسع لى
قضيت أيامًا وشهورًا أفكر وأتأمل
حتى استطعت أن أفصل الكلام عن قائله
إنى مؤمنة تمامًا بكل ما كان يقوله
بكل ما علمنى أياه
وإذا كان هناك خلل فى التطبيق فالعيب فى الإنسان
وليس فى المبدىء ذاته
شعرت بالارتياح النفسى عندما وصلت لهذه النتيجة
إنى الآن استطيع الحياة
-------------------
لقد علا نجم أستاذى كثيرًا
يستضيفونه فى البرامج التليفزيونية
كمفكر عظيم ومعلم أجيال
أجد أصدقائى يشاركون كلامه على الفيس بوك
اقرأ تعليقات من قبيل
"هذا الرجل أكثر من رائع"
"لو عندنا عشرة من هذا فى مصر لكفى"
"يا ليته يكون وزيرًا أو حتى رئيس جمهورية"
كلام..كلام..كلام
مديح...مديح..مديح
اشعر  بالرغبة فى التقيؤ
أشعر بالرغبة فى الصراخ
يا ناس افهموا
"ليس كل ما يلمع ذهبًا"
أقرأ قوله تعالى
"ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام"
أقرأه فأكاد أجثو على ركبتى باكية داعية الله
ألا يجعلنى ممن يقولون ما لا يفعلون


دينا سعيد
8-1-2011
--------------------------------------------------------------------------------
تنويه: مستوحى من مجموعة كبيرة من القصص الحقيقة التى حدثت على مدار العصور
وما زالت تحدث حتى وقتنا هذا


Monday, January 9, 2012

البئر

يحكى أن هناك ولد صغير دأب على الذهاب لبئر جميلة فى قريته مع والدته وكانت والدته تساعده على أن يشرب من البئر...كانت مياه البئر نقية وصافية...وكان الطفل يحبها كثيرًا
وفى يوم تسممت مياه البئر وعندما شرب منها الطفل مرض مرضًا شديدًا
فكر وأحضر دلوًا جديدًا وشرب من مياه البئر فمرض مرة آخرى
استخدم كوبه الملون الزاهى وشرب من مياه البئر فمرض ثانية
حاول كل من حوله إقناه أن العيب فى المياه نفسها وأن تغيير الكوب أو الدلو لن يحل المشكلة وأن الحل الوحيد أن يمنتع عن الذهاب لهذا البئر وأن يبحث عن بئر آخر
ولكنه كان يشتاق إلى هذا البئر بالتحديد
واستمر يحاول أن يشرب منه حتى جاء اليوم الذى لم يستطيع جسده أن يقاوم السم فمات

Sunday, January 8, 2012

الهدية


الهدية


قررت أن أهدى حيبيى نبتة زرع فيها أزهار بنفسج فأنا أحب البنفسج وأعشق رائحته
سيضعها حبيبى فى مكان بارز فى حجرته وسيتذكر أن يرويها بالمياه كل يوم
وكلما رواها كلما تفتحت أزهارها وانتشر شذاها فى كل أنحاء الحجرة

ولكن طبع حبيبى النسيان
لذا فقد انشغل عن أزهاره ...تركها أيام
وفى يوم تنبه لها فوجد بعض أزهارها قد ذبلت وبعض أغصانها قد تكسرت
جن جنون حبيبى وجرى إلى صنبور المياه
وأخذ يرويها ويعتذر إليها عنى إهماله لها ويعدها أنه لن ينساها ثانية

وصدقته الأزهار وعادت إليها الحياة مرة آخرى
ونبتنت مكان الأزهار الذابلة أزهارًا أكثر روعة
وشبت الأغصان الصغيرة وتنافست أيها أطول واكثر بهاءًا

وبمرور الوقت اعتاد حبيبى وجود الزرعة فى حجرته
ولم يعد يدهشه جمالها ولا رونقها
حتى رائحتها الطيبة مل منها
أصبح ريها  عبئًا نفسيًا عليه يؤديه خوفًا أن يحاسبه الله على موت نبات

وفى يوم اضطر حبيبى للسفر...ونسى أن يوكل ﻷحدهم رعاية ازهاره
فما كان ليعينه أمرها كثيرًا على أى حال
وعاد بعد شهور وفتح باب حجرته
ليراها حطامًا
حاول مرارًا وتكرارًا أن يعيد إليها الحياة
توسل إليها أنه لن يتركها ولن يهملها ثانية
ولم ينتبه أنها لم تعد تسمعه ولم تعد تراه
وأن كل دموعه لن تعيد الحياة لمن يأبى الحياة

أحضر بذورًا آخرى وحاول أن يزرعها
ولكنك أبت الترية أن تنبت أزهارًا
فقد أصبحت أرضًا بورًا
جرفتها سنوات الإهمال والهجران

كان حبيبى كثيرًا ما يجلس وحيدًا
يتأمل مكان النبتة الفارغ
ويتذكر كيف كان تملًا حياته بهجة بعبيرها الآخاذ وزهورها المتأنقة

ثم أخذ القرار ....ذهب لمحل النباتات واشترى نبتة آخرى
سيغير هذه المرة لن يشترى بنفسجًا بل سيشترى ياسمينًا
وسيضعها فى نفس المكان
والآن هو يسقيها بمنتهى العناية والاهتمام
لا ينساها مهما كانت مشاغله
لكن ما باله يلمح أحيانًا ضيًا بنفسجيًا بين زهرات الياسمين البيضاء


دينا سعيد
6-1-2011

Thursday, January 5, 2012

كالجرى المدينة الرمادية

...   يقولون عنها أنها من أفضل خمس مدن على مستوى العالم من حيث جودة  الحياة
سألت ماذا تعنون بجودة الحياة؟ فقالوا المياه النقية والهواء الغير ملوث وشبكة المواصلات والخدمات وخلافه
نظرت إليهم فى سخرية وقلت لهم وهل هذه حقًا حياة؟


 ماذا عن التاريخ؟ ماذا عن الترابط الأسرى والاجتماعى؟ ماذا عن الأصالة؟
نظروا إلى كمن يتكلم لغة لا يفهمها متحدثهم وعذرتهم فأنى لهم أن يفهموا
أنى لهم أن يعرفوا

كيف يرون فى هذا المدينة أى جمال وهى التى يصاب معظم سكانها فى الشتاء بالاكتئاب بسبب قلة التعرض للشمس؟
الشمس!!! أنهم حتى لا يعرفون معنى الشمس فهى عندهم مجرد  لمبة تنور أحيانًا وتختفى فى أغلب الأحيان
لم يشعروا يومًا بدفئها ولم يجربوا يومًا أن يدثروا بلحاف أو بطانية أخرجته رب المنزل منذ الصباح الباكر فى شرفة المنزل

أين يخرج الناس فى هذا المدينة الكئيبة إلا للمولات والمظاعم المغلقة ودور السينما؟
لا يعرفون الجلوس على ضفة النيل ولا شاطىء البحر
لا يعرفون التجول فى الأزهر والجلوس على الفشاوى وزيارة المتاحف
إن كل قطعة من بلدى متحف ولكن مهلًا إنك إذا زرت إيطاليا رأيت الفن الرومانى وإذا زرت تركيا رأيت الفن الإسلامى
ولكن فى بلدى ترى كل هذا...ترى الفن الفرعونى والرومانى والقبطى والإسلامى
ترى فى كل مكان شىء مختلف
أنها بلد تتحدى الملل....تستطيع أن تجد فيها ألف شىء وشىء تفعله

وأحلى ما فيها أهلها...نعم هولاء الرعاع الفوضويين العاطفيين
أفضل عندى ألف مرة من هولاء الذى يستطيعون ذبحك فى لحظات وعلى وجهوهم ابتسامة ود
هولاء الذى يرونكم تتألم وتبكى فلا يكلف أحدهم خاطره أن يسال عنك حتى لا يتدخل فى شئونك الخاصة

ماذا أقول لكم؟ إنى أشعر بالاختناق من هذا البرود  وهذا الروتين...
كل شىء مخطط ومحسوب ...لا مجال للعشوائية ...لا مجال للخطأ..وبالتالى لا مجال للابتكار والإبداع

هذه المدينة تبدو لى كالمرأة العجوز التى تسكن قصرًا منيفًا ذا أسوار شاهقة
تستقدم خدمًا من كافة أنحاء العالم ليحافظوا على نظافة ونظام القصر
ويخضع هولاء الخدم جميعًا لنفس النظام
يستيقظون فى نفس الوقت وينامون فى نفس الوقت
يعملون طوال النهار من أجل راحتها

 وما أن تفلت منك ضحكة أو حركة عفوية حتى ترمقك بنظرة تجمد الدم فى عروقك ولسان حالها يقول لك يا حشرة ..
.يا من لا تستحق حتى أن تجلس معى....كيف تجرؤ؟

أيتها المرأة المتصابية إنى أكرهك أكره زينتك المصتنعة... أكره قصرك الممل... أكره أكلك الذى لا طعم له ولا يسمن ولا يغنى من جوع
أرجوك لا ترفعى حاجبك فى دهشة هكذا
إنى لا أعيبك ولا أعيب من يعيشون معك ومن يرونك من أفضل مدن العالم
إن العيب فى أنا الذى لا يستطيع أن يعيش ألا فى العشوائية والفوضى
أنا الذى أتنفس من عرق الناس التى ترينهم لا يستحقون الحياة
أنا الذى لا استطيع أن اقتلع جذورى وأنسى من أنا
ﻷكون الشخص الذى تريدينه
عذرًا سيدتى .....لقد ضيعت وقتك مع الشخص الخطأ
ولكنى لم أضيع وقتى فكل دقيقة قضيتها معك جعلتنى اكتشف من أكون حقًا
وعرفت أنى لن أحيا إلا إذا رجعت إلى فتاتى الأولى
-إلى بلدى

دينا سعيد
2-1-2011
----------------
ملحوظة:
هناك فرق بين المقال والقصة فالمقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولكن القصة تعبر عن حالة معينة ربما لا يتفق معها الكاتب
وهذه قصة فلا يجب التعامل معها ألا على هذا الأساس