كان هناك مسلسلا قديما بهذا الاسم
"الحب وأشياء آخرى"
بطولة آثار الحكيم وممدوح عبد العليم
ويحكى المسلسل عن مدرس الموسيقى ابن الحارة المصرية الذى يقع فى غرام الطبيبة الجميلة الغنية ابنة الطبيب المشهور صاحب المستشفيات وكما أحبها فقد هامت به عشقا وكانت قصة تقطع القلب
ورغم سطوة الأب والفارق الرهيب ينجح الحبيبان فى الارتباط ويتزوجا رغما عن والد الفتاة طبعا
وتبدأ الفترة الأولى من الزواج بكل جمالها كتتويج لحالة الحب العميق القوى الذى نجح فى التصدى للفارق الإجتماعى
ولكن
هناك أشياء أخرى
أشياء مستترة كانوا مغميين عنيهم عنها وبيحاولوا تجاهلها من أجل انتصار الحب
كان هناك عقدة رهيبة وفجوة تتسع مع الوقت ....عقدة نقص بداخله واحساس بالتنازل من ناحيتها
مع اشتياقها لوالدها وحياتها السابقة
كان كل ذلك يظهر مع أتفه سبب وأقل مشكلة
ليتحول أى تصرف منها ربما غير مقصود لرد فعل عنيف من جهته فترد عليه هى بشكل أعنف
حتى انتهى المسلسل بطلاقهما
وربما كان هذا المسلسل من المسلسلات القليلة التى تحمل نهاية واقعية جدا
قد تقولون أن هذا كلام مسلسلات ولا علاقة له بالدين؟
سأقول لكم تعالوا نتكلم عن عصر النبوة وقصة زواج زينب بنت جحش ابنة عم الرسول صلى الله عليه وسلم من زيد بن ثابت الذى كان مولى للسيدة خديجة ثم أهدته لسيدنا محمد ليتبناه حتى حُرم التبنى
ورغم مكانة زيد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صار يلقب بالحِب، ويقال لابنه أسامة: الحِب بن الحِب
ألا أن زينب لم تستطيع أن تنسى أنها قرشية وهو كان مولى أى خادم
فكان زيد كثيرا ما يشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من تعاظمها وشدة لسانها عليه، ويخبره بعزمه على تطليقها فيقول له النبى صلى الله عليه وسلم
اتق الله وأمسك عليك زوجك
حتى انتهى الأمر بطلاقهما بعد عام من الزواج
ثم يتم زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب لتصبح بعد ذلك من أمهات المؤمنين وتتجلى حكمة الله تعالى فى هذا الزواج بين زينب وزيد وذلك حتى ينزع من العرب أى بقايا للتبنى فى نفوسهم
حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تزوج بمن كانت زوجة لابنه بالتنبى
الحب وأشياء آخرى
ولكن ما هى هذه الأشياء الآخرى؟
هل هى الفارق المادى أم الفارق الاجتماعى أم الفارق الثقافى أم الفارق الدينى؟
نرجع لمرجعيتنا الاسلامية
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " رواه الترمذي وغيره.
اذن فالدين والأخلاق هم المهمين فقط وغير مهم أى شىء آخر؟
لحظة واحدة
لماذا ذٌكرت الأخلاق منفصلة عن الدين فى الحديث الشريف
أليست الأخلاق جزء من الدين؟
وهنا شىء مهم جدا قد لا نتبه إليه وهو أن الأخلاق تشمل المعاملات الاجتماعية
وليست فقط الأمانة والصدق وحفظ العهد وغيرها
فمثلا هناك أخلاق قد تكون منتشرة فى طبقة اجتماعية معينة غير الآخرى
مثل طريقة أكل الطعام أو طريقة السلام أو طريقة الحديث أو استخدام ألفاظ معينة فى الكلام
كل هذه أخلاق
لا نقول بالضرورة أى طبقة أفضل من الطبقة الآخرى
ولذلك الحديث يقول "ترضون" بمعنى
المناسب لكم
أنتم بيت يتكلم فيه أفراده مع بعضهم البعض بعصبية و شد لن يضركم أن تناسبوا أحد مثلكم
أنتم بيت يضرب فيه الرجل زوجته غير معقول أن يتزوج ابنكم من بنت عمر ما والدها تكلم مع أمها بطريقة غير لائقة
أنتم ناس واخدين تأكلوا بأيديكم - ليس حراما بالمناسبة- ليس من الطبيعى أن تناسبوا بيتا ياكل بالشوكة والسكينة
أنت ناس تعليمكم وثقافتكم على قدها - أيضا ليس حراما- ولكن لا ينفع أن تناسبوا عائلة كلها أستاذة جامعة مثلا
لماذا؟
لأن الزواج ليس فردان يتزوجان فقط
ولكنه انصهار عائلتين سويا ولذلك يسمى الصهر
فكيف تنصهر عائلتان أخلاقهم ودينهم وثقافتهم غير متكافئة؟
كيف يجلسون ويتكلمون سويا ويحضرون مناسبات اجتماعية مشتركة بل ويشتركون فى تربية الأحفاد ولا توجد من أساسه لغة حوار مشتركة بين العائلتين؟
ونود هنا التوضيح أن الفارق المادى يختلف شكلا وموضوعا عن الفارق الاجتماعى
فكم من أغنياء ولكن مستواهم الاجتماعى أقل من الكثير من الفقراء
وفى هذا نشير إلى واقعة حدثت فى عصر النبوة
قدم رجل للرسول صلى الله عليه وسلم وقال له
لدينا ابنة تقدَّم لها اثنان: رجل معسر، ولكنه شاب، ورجل موسر، ولكنه شيخ، وابنتنا تحب الشاب، وإن كان معسرًا، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم : ((لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح))
هذه الواقعة مثلا التى يتذرع بها البعض أن الفارق المادى لا يهم - وهو فعلا لا يهم- ألا أننا لا نرى فيها عائلة الفتاة وهل هم أغنياء أم فقراء ؟ كما أن هناك عامل آخر وهو التكافؤ فى السن الذى هو لصالح الشاب..الملاحظة الآخيرة هى أن عائلة الفتاة كانت محتارة ولا تفضل أى الرجلين على الآخر فبذلك أقر الرسول صلى الله عليه وسلم حق البنت فى الزواج من الشاب المعسر الذى ترغبه - وليس رغما عن أهلها- لأن الأمر كان سيان بالنسبة لهم
ويظل الأمر متوقف على كلمة "ترضون" فما يرضاه البعض قد لا يرضاه البعض الآخر
وما قد يتعايش معه البعض قد لا يتعايش معه البعض الآخر
والرضا هنا والتعايش ليس بين الزوجين فقط
فالحديث يقول "ترضون" بصيغة الجمع
أى رضا الأهل كلهم ومباركتهم
وإلا ستكون هناك عقدة من أحد الطرفين أنه أقل من الآخر
وعقدة من أهله أنهم أقل من الأهل الآخرين
وفى الجانب الآخر سيكون احساس التنازل - وربما التعالى -مسيطر على الطرف الثانى
مع عدم مقدرتهم على التعايش لاختلاف الطريقة التى تربى بها كل فرد والبيئة التى خرج منها
وهكذا
تنشأ المشاكل من العدم
وهناك من يقول أنه اذا كان الفارق لصالح الرجل فلا توجد مشكلة وأن غالبا المشاكل تحدث من العكس
عندما يكون الفارق لصالح المرأة
ونود هنا أن ننوه أنه فى كل الأحوال يجب ألا يكون الفارق بين الاثنين شاسعا
لا يشترط أن يكونوا متكافئين تماما بالطبع
ولكن وجود الفارق الكبير مرفوض حتى ولو كان لصالح الرجل
وقد يتذرع البعض بقوله صلى الله عليه وسلم:
" تنكح المرأة لأربع، لمالها، ولحسبها، ولجمالها، و لدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك "
وهنا نقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل أن المهم هى المتدينة ولا يهم أى شىء آخر. بل أنه يقصد أن لا تتزوج ذات المال الغير متدينة، ولا بذات الحسب الغير متدينة، ولا بذات الجمال الغير متدينة..فعدم وجود الدين يلغى الموضوع من أساسه..ولكن هذا لا ينفى أن تبحث عن ذات الدين الكفء لك ولعائلتك
ويا ريت ننسى الأفلام التى بوظت مخنا ومخ أولادنا
من أول على وأنجى فى رد قلبى
إلى تامر وشوقية فى العصر الحديث
ربما كانت هناك استثنئات قليلة ناجحة ولكنها لا تنفى القاعدة بل تؤكدها
الخلاصة أن الحب قد ينتصر فى أول الأمر
وقد يقاتل الحبيبان لحماية حبهما
لكن الفروق الإجتماعية والعقد النفسية تكون بينهما كوحش كامن يريد افتراس كل شىء جميل بينهما وينتظر أى فرصة صغيرة للانقضاض على الحب الحالم لكى ينزل به على أرض الواقع ويهزمه
بالضربة القاضية
--------------------------
------------
بقلم دينا عادل سعيد
29 - 3 - 2010