Search This Blog

Thursday, December 30, 2010

ونحن على مشارف عام جديد نتساءل: هل فعلًا لا يوجد أمل؟

أصبحت هناك نغمة سائدة لدى عدد غير قليل من الناس أنه لا يوجد أمل، أو بالعامية المصرية "مفيش فايدة" معبرين عن حالة السخط والإحباط من أن يحدث أى تغيير ايجابي أو اصلاحي سواء فى مصر أو البلاد العربية والإسلامية جميعها. وينقسم هولاء عادة إلى ثلاث شرائح فمنهم من حاول كثيرًا أن يصلح ولكنه فشل لسبب أو لآخر ولم ير أى ثمار لجهده، ومنهم من لم يفعل أى شىء ولكنه يردد نغمة "أنه لا يوجد أمل" حتى يرضي ضميره بأنه لا فائدة من العمل طالما لا يوجد أمل، أما ثالث هذه الشرائح فهم أناس يرغبون فى الكمال ويرون أي عمل ايجابي شىء تافه وملىء بالأخطاء، لذلك فهم دائما ما يتحدثون عن السقطات غير مدركين  لمميزات هذا العمل وما أحدثه من تغيير فعلي حتى ولو كان طفيفًا، فهل كل هولاء على صواب؟

إن تعاليم الإسلام تحثنا على عدم اليأس وأن نعمل حتى وإن كنا نرى أنه لا يوجد أي مردود لعملنا، وهل هناك أكثر من أن يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها"(1) ؟ العالم يفنى من حولنا وبالتأكيد لن يستفيد أحد من هذه الفسيلة التي نغرسها ولكن لابد أن نتم عملنا الذي شرعنا فيه، ولا أولوية مقدمة على هذا حتى لركعتين نقابل بهم المولى ونحن  ليس فقط فى آخر لحظات حياتنا بل في آخر لحظات الكون بأكمله، وهذا لأننا لا نعمل من أجل أنفسنا أو من أجل أولادنا ولا حتى من أجل أوطاننا التي لن تستفيد من هذه الفسيلة المغروسة وقت قيام الساعة.  إننا نعمل باختصار من أجل المولى عز وجل، على الأقل لنعتذر له عند الحساب بأننا حاولنا حتى آخر لحظة أن نعمر الأرض. وبهذا لا يجوز اتخاذ عدم وجود أمل ذريعة لعدم الإصلاح أو الكف عن الإصلاح.. ولكن هل فعلًا لا يوجد أمل؟

 المسلم يعلم يقينًا أنه لن تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود حتى ينطق الشجر بأن هناك يهودي وراءه(2). ويعلم الله وحده إذا كانت هذه الحرب المقبلة بين المسلمين واليهود أم أن هناك حروب ستحدث قبلها. ولكن فى كلتا الحالتين فإن المسلمين الذين سينطق الشجر من أجلهم لن يكونوا قطعًا مثل مسلمي اليوم وحكامهم بالتأكيد لن يكونوا مثل من يحكومون البلاد العربية والإسلامية الآن. فقد كانت سنة الله دائمًا وأبدًا (إن تنصروا الله ينصركم) فهل لنا أن نتخيل كيف سينصر المسلمون الله فى هذا الوقت، حتى تكون نصرة الله لهم بنطق الشجر؟ إن الأمل موجود يقينًا ولكن ربما لن نراه في هذا الجيل أو فى الجيل الذى سيليه أوالذى يلي الذى يليه ولكنه سيأتي يومًا. إذًا فما دورنا؟ وكيف ستحدث هذه النهضة على يد أولادنا أو أحفادنا؟

يتوقع الكثيرون أنه لكى تحدث نهضة شاملة فلابد من تغيير القائد ليأتي قائد آخر بعصا موسى السحرية ليقيم العدل ويرفع الظلم وتصبح بلادنا ذات شأن وسلطان. وينسى هولاء أن سيدنا موسى نفسه الذى امتلك هذا العصا احتاج إلى أربعين عامًا يتيه فيها بنو إسرائيل حتى تتم تربية الجيل الذى قاده طالوت لفتح القدس ، هذا الجيل الذى رباه يوشع بن نون الفتى الذي كان مع سيدنا موسى فى لقائه بالخضر. هذه سنة الحياة التى تجعل أي تغيير فجائى بنسبة 180 درجة كارثة حقيقة. وهذا ما حدث فى مصر فى ثورة 23 يوليو التى نتفق مع كثير من مبادئها ولكن لأن تنفيذ هذه المبادىء لم يأت عن دراسة متأنية وبطريقة تدريجية كانت النتيجة "لخبطة" ما زال الشعب المصرى يعانى منها إلي الآن. إن وجود قائد عادل وذى رؤية وبصرية هو شىء أساسي لحدوث النهضة ولكنه لا يُشترط أن يكون البداية.

 إن أشد اللحظات ظلامًا تلك التي تسبق الفجر. ولكن الفجر نفسه يحتاج لوقت لكى تَولد منه شمسًا مشرقة. وإذا نظرنا للتاريخ نجد أن الله عز وجل يرسل الرسل فى اللحظات التي يشتد فيها الكفر والظلم والطغيان ليكونوا الفجر ولكن تستمر الرسالة أعوامًا طويلة – يكذب فيها من يكذب ويؤمن فيها من يؤمن- حتى يتم إهلاك الكافرين بعقاب إلهي أو تتم تربية القادة الذين يأتون بالشمس المشرقة. والأخير هو ما حدث فى الرسالة المحمدية حيث استمرت الرسالة ثلاثة عشر عامًا فى مكة كان منها ثلاث سنوات حُوصر فيها المسلمون فى شعب بنى طالب. وفى رأيى إن هذه الثلاث سنوات كانت أهم فترة إعداد في حياة الصحابة ليَخرجوا الدنيا من قلوبهم إخراجًا وليكن هولاء الصحابة ومن يربونهم حاملين للرسالة في كافة أقطار الأرض جهادًا أو دعوةً. ربما لم يكن بعضهم على قيد الحياة عندما فُتحت بلاد كسرى وفارس ومصر وبيت المقدس. ولكن لكلٍ أجره لأنه ساهم فى زرع الفكرة حتى وإن لم يكن يتصور أن كل هذا النصر والتمكين سيحدث يومًا ما. تخيلوا معي آل ياسر والسيدة خديجة وكل من مات من الصحابة فى مكة بدون أن يرى فتح مكة أو حتى الدولة الإسلامية فى المدينة، كل هولاء لهم نصيبهم من الثواب ربما أكثر ممن جاء بعدهم وقاتلوا وحاربوا فعليًا وهو ما عبرت عنه الآية الكريمة ﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾(3). إذًا فمن ينصر الله الآن ومن يأتي بالفجر الآن فى أشد الظلمات هو من سيحصد الثواب الأكبر حتى وإن لم ير ثمار تعبه رأى العين. هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم موجودًا عند فتح بيت المقدس جسديًا؟ لا، ولكنه كان حيًا في نفوس الصحابة وهذا ما جعلهم يبكون عندما نطق بلال بن رباح باسمه فى الأذان لأنه المعلم الأول الذى ربى كل هولاء. وهذا ما دفع صلاح الدين أن يأخذ منبر أستاذه نور الدين محمود الذى توفاه الله قبل فتح بيت المقدس اعترافًا بفضل من علمه وغرس فيه الفكرة.

إذًا فلكي نصل للجيل الذي سينطق الشجر من أجله، لابد أن تكون البداية من عندنا من هنا، وقد حدثت البداية بالفعل والشواهد عدة. ولنأخذ مصر كمثال: منذ أقل من خمسة عشر عامًا فقط  ظهرت عدة نقط مضيئة صغيرة جدًا فى المجتمع المصري. هذا الوقت الذي تزامن فيه بداية جيل الدعاة الجدد متمثلًا في "عمرو خالد" وقتها مع بداية أول جمعية خيرية قائمة بالكامل على جهود المتطوعين من الشباب وهي جمعية "رسالة" مع بداية محاضرات "زدني" للتنمية البشرية. وخلال هذه الأعوام تكاثرت النقط المضيئة من ساقية الصاوى إلي مراكز التنمية البشرية إلى مئات الجمعيات الخيرية إلي جيل جديد من الأدباء والشعراء والمطربين يتكلم عن الإصلاح والنهضة إلى الحركات السياسية مثل "كفاية" و"شايفنكم" و"أطباء بلا حقوق" إلي محاولات لعمل نهضة علمية متمثلة في جامعة النيل للتكنولوجيا وإعطاء منح كاملة للمتفوقين دراسيًا فى الثانوية العامة في الجامعات الأجنبية. كل هذه النقط المضيئة نواتها الجيل الذى يقترب الآن من الثلاثين عامًا ولكن من غرس فكرتها هو الجيل الذي يقترب الآن من منتصف الأربعينات. وهذا لا ينفي وجود الكثير من الأخطاء – التى يحلو للمتشائمون التركيز عليها- قطعًا هناك حاجة لإعادة تقويم ومراجعة ولكن هذا لا يعني أن هذه النقط المضيئة لم تحدث تغييرًا ايجابيًا لا يُستهان به، كما أنها فرضت العديد من الثقافات الجديدة على المجتمع المصرى حتى أصبح كورس التنمية البشرية كورس أساسي يأخذه خريج الجامعات المصرية لتنمية ذاته كما يأخذ كورسات كمبيوتر ولغات أجنبية.


إن الأمل يكمن فى هذه النقط المضيئة أو الثورات الجزئية كما جاء فى مقال سابق على الجزيرة توك (4). ولكي تبدأ أي نقطة مضئية لا تحتاج عادة لأكثر من شخص واحد يزرع الفكرة كما حدث في النقاط المضيئة الموجودة حاليًا التى لا يتجاوز عدد من بدأوها مجتمعة مائة شخص على الأكثر، غرسوا الفكرة داخل شباب لا يتجاوز عددهم الألف، وفى خلال أقل من خمسة عشر عامُا أصبحت هذه النقط المضيئة تضم مئات الآلآف. إن ما نحتاجه حاليًا هو المزيد والمزيد من النقط المضيئة في كافة البلاد العربية والإسلامية في شتى مجالات الحياة لتضم هذه النقط مجتمعة ملايين الأفراد الجديين الذين يعملون من أجل الله قبل أى شىء آخر، وبمرور الوقت ستلتحم هذه النقاط المضيئة سويًا حتى تحدث نهضة إسلامية شاملة ويأتي الجيل الذى ينصر الله حق نصرة، فيمكنه الله في الأرض.

إهداء: إلى إحدى النقاط المضيئة، حمزة نمرة الذى أوحى لي بهذه المقالة من خلال أغنيته الرائعة "يا طير" (5.

 المصادر:
1- الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1424
خلاصة حكم المحدث: صحيح.  
2- نص الحديث "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي : يا مسلم ، هذا يهودي ورائي فاقتله" الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2926
خلاصة حكم المحدث: صحيح.
3- سورة الحديد: من الآية 10



 دينا سعيد  29 -12 - 2010
تم نشره على الجزيرة توك
http://aljazeeratalk.net/node/7000

Monday, December 20, 2010

ما معنى كلمة "أم"؟

تم نشرها على الجزيرة توك
http://aljazeeratalk.net/node/6968


تساءل محمد فؤاد من قبل فى أغنية شهيرة عن معنى كلمة "وطن"، وهو السؤال الذى يسأله الكثيرون ممن يعيشون فى أوطانهم أو خارجها. نجد دائمًا أسئلة نحو لماذا نحن لأوطاننا رغم كل ما قاسيناه ونقاسيه فيها؟ ما الذى يجعلنا نحزن إذا أصاب هذا الوطن أى مكروه ونسعد لو أصابه أى حدث سعيد حتى لو كان بيننا وبينه آلاف الأميال؟ ما هو الرابط السحرى الذى يجعل المهاجر الذى قضى أكثر من عشرين سنة خارج وطنه يتمنى لو رجع ليموت ويُدفن فى تراب الوطن؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تداولتها المقالات والأحاديث اليومية وحتى خواطرنا، ولكن لماذا لم يتساءل أحد من قبل عن معنى كلمة "أم"؟ لماذا لا نجد أحدا يفكر لماذا أحب أمى ولماذا افتقدها؟ لماذا لا أرضى بديلُا عنها رغم أنها قد لا تكون أجمل النساء ولا أكثرهن ثقافةً ولا ثراءًا...هل حبنا لأمهاتنا فطرى لدرجة تجعلك لا تتساءل لماذا وكيف وأين؟

أرى الأمهات من حولى سواء أمى أو خالاتى أو صديقاتى اللاتى رزقهن الله بأطفال واتعجب ما كل هذا العطاء؟ كيف يمكن لإنسان أن يتنازل عن حياته وطموحاته وأحلامه لتصبح كل أمانيه مجسدة فقط فى أولاده...أعاصر فترة حمل وولادة صديقاتى وأتساءل كيف يمكن لبشر أن يتحمل كل هذا الألم من أجل أن يعيش انسان آخر؟...تتساوى فى هذا كل الأمهات – السويات نفسيًا- سواءًا كن ملتزمات أو غير ملتزمات ... ثريات أو فقيرات.. متعلمات أو جاهلات...مؤمنات أو حتى كافرات...العاطفة واحدة والعطاء واحد والاستعداد للتضحية بلا حدود...فما هو هذا السر الذى أودعه الله فى نفوس الأمهات؟

قال أحد الأدباء يومُا "إن أفضل الوسائد هى صدر الأم"...إذن هل معنى كلمة "أم" هو الراحة والسكينة؟ هل هو الوطن الذى لا تجد نفسك إلا فيه؟ أم هو العطاء بلا حدود وبلا انتظار لأى مقابل مادى أو حتى معنوى..كنت دائما ما أسأل أمى قبل عيد ميلادها أو قبل عيد الأم عن الهدية التى تريدها...ودائما ما كانت تقول نفس الإجابة..."هديتى الوحيدة أن أراكم فى سعادة" ودائما ما كنا نتأمر أنا وأخوتى لنحضر لها الزهور والهدايا فنرى الفرحة فى عينيها التى سرعان ما تخفيها لتعاتبنا على إسرافنا...والغريب أن معظم أمهات صديقاتى كن يفعلن المثل..دائمُا ما تقلن لا نريد شيئا فى الدنيا سوى سعادتكن..والأعجب أنك إذا سألت اامغتربين عن رد فعل أمهاتهم عند سفرهم ستجد معظمهم يقول أن أمهاتهم هن من شجتعهم على السفر بل أن معظمهن استدان وبعن مصاغهن من أجل أن تساعدن أولادهن على مصاريف السفر..ولم يفكر معظمنا أن هذا التشجيع يخفى وراءه سياطُا من ألم الفراق..عرفنا بعدها عندما مرضت أمهاتنا عندما تجرعن كأس الحرمان ورأينهن وهن يهرمن عشرة أعوام فى عام واحد...ورغم كل ذلك لا تتطلبن منا العودة فكل ما يريدنه هو سعادتنا فقط..فهل تعنى كلمة "أم" إنكار الذات؟ وإلى أى حد من الممكن أن ينكر الإنسان ذاته حتى لا ينتظر كلمة شكر ممن حوله أو حتى يضحى ألا يكون بجوار حبيبه من أجل سعادة هذا الحبيب؟


من الطبيعى أن تشعر بالامتنان لشخص إذا قام بالتكفل بطعامك وشرابك يوميُا لمدة تسعة أشهر، ولكن من غير المعتاد أن يمتن لك هذا الشخص أو يحبك كل هذا الحب بينما هو الذى يعطى...هل حب الأم مشابه إلى حد ما لحب الله لنا؟ فالله تعالى يسبغ علبنا من نعمه ليلًا ونهارًا والطبيعى أن نمتن نحن للعاطى الواهب ولكننا نجد الله تعالى هو الذى يتودد إلينا وهو الذى يغفر لنا زلاتنا وهو الذى يرزقنا على ما نحن فيه من الغفلة والمعصية وأحيانًا الجحود..لذلك لم يكن من العجيب أن يضرب الله تعالى مثلُا برحمته بالأم فعن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " جعل الله الرحمة في مائة جزء ، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا ، وأنزل في الأرض جزءا واحدا ، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق ، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها ، خشية أن تصيبه".

فهل ضرب الله مثلا للرحمة التى أنزلها فى قلوب عباده برحمة الأم لأنها أوضح مثال على الأرض للرحمة، أم لأنها أقرب الشبه برحمته سبحانه وتعالى بعباده؟ وإذا نظرنا إلى كلمة الرحمة ذاتها نجدها مشتقة من "الرحم" وكأن هذا الرحم الذى حمل الجنين لمدة تسعة أشهر هو مستودع الرحمة فى الأرض التى هى فى الأساس جزء من رحمة المولى عز وجل...فهل يمكننا الآن أن نعرف كلمة "أم" على أنها "رحمة" أم نعرفها على أنها "نعمة" من المولى عز وجل حتى نهتدى إليه عندما نرى حب الأمهات ورحمتهن بصغارهن؟ أم تُرانا لا نجد تعريفُا لكلمة "الأم" سوى أنها فقط "أم" ؟

إهداء إلى أمى فى عيد ميلادها...دينا سعيد... 20- 12 - 2010

Tuesday, December 7, 2010

إطفاء حريق إسرائيل...هل هى انسانية أم شىء آخر؟

ملحوظة: تم نشرها مع بعض التعديلات على الجزيرة توك

http://aljazeeratalk.net/node/6916
  
سارعت تل أبيب بالاحتفاء بالمساعدات التى قدمتها مصر واﻷردن وتركيا فى إطفاء الحرائق المشتعلة فى جبال الكرمل. وحسب ما نقلته وكالات اﻷنباء فإن إسرائيل اعتبرت هذه الخطوة دليلا على حسن النية من جانب هذه الدول، وبالتالى بددت كل مخاوفها من عدم جدية مصر وتركيا فى السلام بحسب ما نشرته وثائق ويكيليكس

وعلى الصعيد الشعبى انقسمت الآراء لثلاثة اتجاهات أساسية:
 
فكان هناك من رأى أنه هذا عمل انسانى بحت ودافع بقوله أن لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم موجودا بيننا لما تركهم يحترقوا والدليل زيارته صلى الله عليه وسلم لجاره اليهودى فى مرضه على الرغم من أنه كان يلقى القذورات أمام منزله عليه الصلاة والسلام ودافع هولاء عن مبدأهم بكثير من تعاليم الإسلام السمحة ومنها الآية الكريمة " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". ولكن هل كان جار النبى اليهودى محاربًا له؟ كان مؤذيًا نعم ولكنه لم يخطف الحسن والحسين على سبيل المثال ويذبحهما، نحن بشر ولسنا ملائكة والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه أمر بقتل هند بنت عتبة التى أوعزت لوحشى بقتل عمه سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ثم عفا عنها صلى الله عليه وسلم بعد إسلامها وتوبتها...فهل تاب الصهاينة عن قتل الفلسطينين حتى نعفو عنهم ونساندهم؟


الرأى الثانى بدا متحفظًا تجاه ما حدث ولكنه يرى أن هذا ما تنص عليه اتفاقات السلام الموقعة بين هذه الدول واسرائيل وأن هذا من باب أولى الوفاء بهذه الاتفاقات طالما وقعنا عليها وقبلنا بها - ولا علم عندى بصحة المعلومة أن اتفاقات السلام تنص على مساندة إسرائيل فى حالة الكوارث الطبيعبة- وإذا كان اﻷمر كذلك فلماذا هذه الاتفاقات من جانب واحد؟ فنحن لم نسمع من قبل أن إسرائيل ساندت مصر  فى أى كارثة طبيعية أو بشرية.
 

غزة أثناء عملية الرصاص المصبوب من 27 ديسمبر 2008 إلى 18 يناير 2009

أما الرأى الثالث وهو اﻷغلبية فكان رافضا تماما لما حدث متهمًا هذه الحكومات بالعمالة والخيانة أو فى أخف التعليقات بانعدام الرؤية ..ودافع هولاء عن منطقهم بأنه لو كان هذا من باب الإنسانية فلماذا لم تظهر الإنسانية هذه مع غزة أثناء عميلة الرصاص المصبوب؟ أو لم تظهر فى فيضانات باكستان أو زلازل هاييتي أو حتى فى إنقاذ المصريين أنفسهم الغارفين فى عبارة السلام 98 أو  المحترقين فى قطار الصعيد؟ أليس من الغريب أن تكون إنسانًا مع عدوك فقط ولا يطرف لك رمش عندما يصيب مُصاب أهل بيتك وأبناء ملتك وعروبتك؟! 
 




وكان من أعنف ردود الفعل هذه مقال نوارة نجم فى الدستور الذى استخدمت فيه بعض اﻷلفاظ النابية معربة عن نظرة حكامنا لنا كشعوب. وهو مقال عبر عن بعض السخط الذى تعيشه هذه الشعوب خاصة بعد تسريبات ويكيليكس وما شاب انتخابات مجلس الشعب فى مصر. هذه الحالة نستطيع أن نلمسها فى انتشار الاكتئاب واليأس بين قطعان عديدة من الشباب وخاصة فى مصر حتى عبرت عنه أحدى المقالات فى جريدة الشروق  باكتئاب ما بعد الانتخابات.
 
وكان من أطرف ردود الفعل على عمليات نجدة إسرائيل وأوجعها تعليق أحدهم بأنه تصور أن القوات الجوية المصرية تحالفت مع اﻷردن وتركيا مستغلة ظروف الحريق لتدخل إسرائيل وتحرر القدس....فقد عبر هذا التعليق ببساطة عن التناقض بين الحلم الذى تحلمه الشعوب العربية والإسلامية فى أن ترى يومًا جيشًا موحدًا يحرر فلسطين وبين تصرقات قادة هذه الشعوب التى تستغل الفرص لتمد جسور الصداقة وتؤكد أواصر المحبة بينها وبين الشعب الإسرائيلى الشقيق المغتصب ﻷرض شعب لا يعيننا فى أى شىء....وهذا ما عبرت عنه أحدى مقاطع الفيديو على يوتيوب بعنوان موتوا يا أطفال غزة فلن نحزن عليكم ويتضمن الفيديو صورا مختلفة ﻷطقال غزة القتلى يتخلله بعض الكلمات بأن هولاء لو كانوا صينيين أو أمريكان لكنا هبنا لنجدتهم...وﻷن الفيديو قديم فلم يتخيل صانعه  أن يأتى اليوم الذى تُرسل فيه الطائرات الجوية الممولة من ضرائب الشعوب العربية والإسلامية لإنقاذ أطفال إسرائيل فى الوقت الذى يعيش فيه 40 % من سكان  أحدى الدول المشاركة فى عمليات الإنقاذ تحت خط الفقر

والسؤال الذى نطرحه الآن هو  هل من الممكن أن يأتى  اليوم الذى يتحقق فيه الحلم الشعبى العربى والإسلامى ونرى جيشًا موحدًا يهب لنجدة الضعيف وإغاثة الملهوف فى بلادنا كما رأينا طائراتنا وهى تهرول من أجل إغاثة أبناء عمومتنا؟ وهل ستُرانا يومًا نرى أسراب الطائرات وهى تتقدم من أجل تحرير اﻷقصى واستعادة القدس؟  هل سيتحقق الحلم يومًا ؟ وكيف؟