Search This Blog

Monday, September 24, 2012


عبد المنعم أبو الفتوح: شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر 1970-1984عبد المنعم أبو الفتوح: شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر 1970-1984 by عبد المنعم أبو الفتوح
My rating: 4 of 5 stars


أنصح بقراءة هذا الكتاب خاصةً لمن يضع الأخوان والسلفيين والجهاد وغيرها من الحركات الإسلامية فى سلة واحدة...فى هذا الكتاب ستتعرف إلى حد ما على الخط الفاصل ما بين هذه التيارات الإسلامية وستدرك كذلك أن المرء قد يغير من تفكيره مع الزمن فهناك من كان سلفى وأصبح أخوانى وهناك من كان سلفى وأصبح جهادى..ستتعرف على  تجربة د. عبد المنعم أبو الفتوح كشاهد ولاعب أساسى فى نشأة الحركات الطلابية فى السبعينات...ستقترب أكثر من فكر اﻷخوان وربما تفهم سبب مواقفهم المختلفة الحالية فى ضوء المواقف التى ذكرها د. أبو الفتوح.

يحدثنا د. أبو الفتوح عن نشأة الجماعة الإسلامية فى جامعات مصر فى السبعينات وكيف أن معظم الأشياء التى حدثت فى نشأتها كانت عفوية بما فيها اختيار اسم الجماعة نفسها...كان طبيعى على شباب يحب الدين ولا يجد مرجعية دينية مناسبة أن يتطرف  فى فكره ويغرق فى الفكر السلفى خاصة مع تدفق الكتب السلفية المجانية من السعودية وتنظيم رحلات العمرة هناك لدرجة أن د. أبو الفتوح سافر للعمرة ب25 جنيهًا فقط..ويقول أن هناك شباب كان يقيم فى السعودية حتى الحج ويتعلم هناك على يد المشايخ ويرجع وقد أصبح شيخًا سلفيًا. اعتقد أيضًا أن وجود التيار الشيوعى ومهاجمتهم للإسلام ورموزه والسخرية منه ساهمت فى تطرف هذا الشباب فكريًا كرد فعل عكسى...ولكنى لم أفهم كيف كان الشيخ الغزالى والقرضاوى يعطون محاضرات لهولاء الشباب فى المخميات والندوات الدينية ورغم ذلك ظل الشباب على تطرفهم الفكرى.

كانت النقطة الفاصلة فى الجامعة الإسلامية وربما فى تاريخ مصر هى خروج الأخوان المسلمين من المعتقلات فى منتصف السبعينات وموافقة معظم قادة الجماعة الإسلامية على الانضمام تحت لواء الأخوان وجعل قادتها الذين خرجوا لتوهم من السجون فادة لهم..ومن هنا جاء تصحيح للمسار الفكرى لكثير من أفراد الجماعة الإسلامية خاصة على يد عمر التلمسانى ووضح د. أبو الفتوح العديد من المواقف التى كان يتشدد فيها الشبابو يعتبرونها خطًا أحمرًا مثل تحريم الموسيقى وفرض اللحية وكيف كان قادة الأخوان يستوعبهم ويحاولون اقناعهم بالوسيطة...وكذلك وضح قضية تكفير المجتمع والتغيير بالعنف وكيف كان ينقسم أعضاء الجماعة الإسلامية تجاهها فمنهم من كان متحمسًا للتغيير الآن بالعنف وبالفعل قام بمحاولات ساذجة مثل انقلاب الفنية العسكرية ومنهم من كان يرى أن الوقت لم يأتى بعد لاستخدام العنف...ولكن التيار الإصلاحى فى الأخوان المسلمين كان يحاول الرجوع إلى دعوة (حسن البنا) الأصلية ويرى أن العنف لابد أن يٌطلق بالثلاثة. ومن هنا رفض البعض الانضمام تحت لواء الاخوان المسلمين وتمايزات التيارات ما بين أخوان وسلفية وجهادية وتكفيرية.

كان من اللافت للنظر حديث د. أبو الفتوح عن السادات ورغم أن السادات أصدر أمرًا بحرمان د. أبو الفتوح من التعيين فى الجامعة عقابًا له على تجاوزه معه فى اللقاء الفكرى لكن د. أبو الفتوح كان يرى أن هذا أقل عقاب من رئيس جمهورية وشعرت أنه يقدر السادات فى مرحلة حكمه الأولى وكيف أن سياسته فى التحرر الفكرى وإطلاق الحريات كانت أهم عامل من عوامل نشاة الجامعة الإسلامية وقدرتهم على إقامة المعسكرات الإسلامية وإصدار مجلات الدعوة بدون أى مضايقات أمنية..ويقارن د. أبو الفتوح بين عصر مبارك والسادات فى أنه فى عصر مبارك كان هناك حرية رأى بدون عمل سياسى ولكن فى عصر السادات كانت هناك حرية راى وعمل سياسى...ولم يفت د. أبو الفتوح أن يؤكد أنه لم تكن هناك أى نوع من الصفقات بين الجماعة الإسلامية والسادات لضرب الناصريين والشوعيين...ولكن السادات أتاح المجال للجميع وهو يشعر أن الشعب المصرى الذى بطبيعته متدين سيلجأ أكثره للإسلاميين مما سيسحب البساط من الشوعييين...ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن فبعد إصرار السادات على معاهدة السلام ومعارضة الجماعة الإسلامية ومعظم القوى الإسلامية لها، أصبح السادات عدوًا للجميع...وبدأ التحرش الأمنى بالإسلاميين والذى انتهى بدخولهم المعتقلات فى نهاية حكمه..ويرى د. أبو الفتوح أن غضب السادات الشديد قد يكون له ما يبرره ﻷن بعض الشيوخ تطاول عليه بشدة وقالوا أنه عميل لأمريكا بل أن الشيخ المحلاوى أساء كثيرًا لزوجته جيهان.

قراءتى للمذكرات جعلتنى اقترب من فكر الأخوان إلى حد ما وأفهم بعض من موافقهم السياسية الحالية خاصة من خلال ثلاثة مواقف:

الأول: عندما كانت د. أمينة السعيد تهاجم الأخوان فى مقالاتها ودخل د. أبو الفتوح على عمر التلمسانى فوجوده يكلمها فى التليفون ليأخذ منها ميعاد فغضب د. أبو الفتوح بشدة ووضح له التلمسانى أنه سيذهب ليشرح لها دعوتهم فإن أقنعت ربحنا وإن لم تقتنع لم نخسر شيئًا. وللدهشة فقد توقفت د. أمينة السعيد عن مهاجمة الأخوان بعد هذه الزيارة.
يبدو هذا الموقف البسيط عنوانًا لمنهج التيار الإصلاحى فى الجماعةة والذى تعلمه د. أبو الفتوح من حيث عدم أخذ مواقف حادة من الشخصيات والاستمرار فى محاولة دعوتها حتى لو كانت من ألد الخصوم.

الثانى: أحداث الزاوية الحمراء وما حدث وقتها من قيام بعض الشباب السلفى بمهاجمة الشاب إذا وجدوه يسير بصحبة فتاة وكذلك هجومهم على بعض الأقباط وتعجب د. أبو الفتوح من أن الشرطة كانت لا تقوم بتحرير محاضر للمعتدى عليهم وكأنهم يريدونه أن يأخذ حقه بيده ويرد بالمثل فتشتعل الفتنة...ويرى د. أبو الفتوح أن السادات أراد تأجيج هذه الفتنة لتساعده عندما يقبض على الإسلاميين بسبب خلافه معهم على كامب ديفيد.
ولذلك حاول  قادة الأخوان درء الفتنة والتدخل لدى كل الأطراف فى الزاوية الحمراء وغيرها حتى لا تشتعل البلاد كما كان يريد النظام.
هذا الموقف تكرر كثيرًا بعد الثورة فى أكثر من مكان، حتى مهاجمة البعض للشباب مع الفتيات حدثت وكأنهم يقرأون من نفس الكتاب..إن التاريخ لا يعيد نفسه ولكنها أساليب محفوظة ومعلومة النتائج ينفذوها مع الشعب ومن يقرأ التاريخ يعلم كيف يتعامل معها.

الثالث: موقف الجماعة من الغزو السوفيتى لأفغنستان...فى بداية الغزو كان الإسلاميون يطالبون الحكومات العربية بفتح باب الجهاد ..وفجأة تم فتح الباب بالفعل..اعتقد قادة الجماعة أن هذا لم يكن ليحدث إلا بإشارة من أمريكا وأنها لم تليث ألا تنقلب على هولاء الشباب بعد أن تستغلهم من أجل القضاء على الإتحاد السوفيتى..ومن هنا جاء قرار الجماعة بعدم المشاركة كأفراد فى الجهاد فى أفغنستان ولكن فقط المشاركة المادية والمعنوية والطبية ...يقول د. أبو الفتوح أن ما توقعته الجماعة حدث بالفعل...ويبدو أن كان هناك الكثير من الإسلاميين كانوا يرون فى قرار الجماعة  بعدم الجهاد تخاذلًا عن نصرة الإسلام! ألا يذكرك هذا بشىء.
شخصيًا لا استطيع أن أقيم إذا كان هذا القرار صائبًا أم لا..ولكن يبدو أن هذه طريقة تفكير الجماعة منذ الازل وهو عدم الاندفاع فى الشىء الذى يبدو ظاهره خيرًا وجهادًا وهذا الفكر أكتسبوه من خلال سنوات طويلة من ممارسة العمل السياسى وكلما صدق حدسهم فى قرار كلما كان تمسكهم بهذا المنهج.

كانت أكثر الأجزاء تأثيرًا بالنسبة لى حديث د. أبو الفتوح عن الأستاذ  كمال السنانيري وقصة زواجه من أخت سيد قطب الذى كان زميله فى الزنانة وعندما رأته السيدة الشابة وعرفت بطلاق زوجته منه ووفاة ابنته الصغيرة طلبت من أخيها أن يزوجها له..وتم عقد القرآن فى السجن ثم تم البناء بعدها بسنوات عندما خرج السنانيرى من المعتقل وما هى إلا سنوات قليلة حتى توفى فى المعتقل سنة 1981 من أثر التعذيب كما يبدو. وقد كتبت الزوجة قصيدة رثاء فيه من أروع ما قرأت
http://youtu.be/rzqFvKOrSpY

أكثر ما يعيب الكتاب هو النهاية المبتورة..تشعر فجأة ان المذكرات انتهت..اعتقد أن كان من الممكن وضع بعض الجمل التى تتحدث عن المستقبل وخاصة مع إشارة د. أبو الفتوح لسنة 1995 دون أن يوضح ما الذى حدث فيها (اعتقد أنها قضية سلسبيل). وكذلك يبدو د. أبو الفتوح مترفعًا بعض الشىء عن نقد بعض التيارات الفكرية المتشددة ..بل يبدو وكأنه يلتمس العذر للجميع بما فيهم السادات..واعتقد أن هذه شخصيته التى لا تميل إلى الصدام بل تميل أكثر إلى استعياب الآخر وهو ما يبدو أنه تعلمه من التلمسانى.

بعد انتهائى من الكتاب أجدنى أتأمل فى تدبير الله عز وجل ...فمثلًا ما الذى كان من الممكن أن يحدث إذا لم يخرج قادة الاخوان من السجون فى عهد السادات واستمرت الجماعة الإسلامية فى منهجها المتشدد...أو ما الذى كان من الممكن أن يحدث لو رفض قادة الجماعة الانضمام تحت لواء الأخوان نزعًا للقيادة والفردية؟ أو إذا كان فشل الأخوان فى استعياب فكر هولاء الشباب والصبر كلهم؟  الغريب فى الأمر أن قادة الجماعة عندما دخلوا المعتقلات فى عهد عبد الناصر ظنوا أن دعوتهم انتهت وأنهم سيخرجون من السجون فلا يشاهدون أثرًا للإسلام فى البلاد ولكنهم خرجوا ليجدوا آلاف من الشباب المتحمس للإسلام الذى ضمته الجماعة الإسلامية...فكان بعضهم يبكى فرحة من عدم التصديق...فماذا لو عرفوا أنه سيأتى منهم رئيسًا للجمهورية المصرية فى أقل من أربعين عامًا؟


View all my reviews

Monday, September 17, 2012

Separation... الانفصال


شاهدت الفيلم الإيرانى الإنفصال أو separation والحائز على جائزة أوسكار ﻷحسن فيلم أجنبى. الفيلم درامى يدور حول زوجة تريد الإنفصال عن زوجها ﻷنه لا يريد أن يغادر معها إيران والتى تعتقد أنها بيئة غير جيدة لتربية ابنتهما ذات الحادية عشر...الزوج يرفض الرحيل ليعتنى بوالده المصاب بالزهامير ويترك للزوجة خيار الإنفصال..فتترك المنزل وتبقى الابنة مع والدها ﻷنها تعلم أن والدتها لن تستطيع السفر بدونها.

عقدة ا

لفيلم تبدأ عندما يحضر الزوج خادمة لترعى والده أثناء وجوده فى العمل ..الخادمة تأتى مع ابنتها الصغيرة ذات الأربعة أعوام ويبدو عليها الإعياء والتعب معظم الوقت...الخادمة ترتدى إسدالًا ويبدو عليها التدين الشديد حتى إنها تتصل بدار الفتوى لمعرفة إن كان يجوز لها تنظيف الرجل الكبير الذى تبول لا إراديًا على نفسه.
تتوالى الأحداث حيث تضطر الخادمة للخروج وتربط الرجل المسن فى السرير فيحضر الزوج مبكرًا مع ابنته ليجد أباه قد سقط على الأرض وحالته الصحية غاية فى السوء فيثور على الخادمة لدى عودتها ويدفعها بشدة لتخرج من المنزل ..لنعلم بعدها أن الخادمة حامل وقد سقط جنينها...فتترك شكوى ضد الزوج فى القضاء..ويترك ضدها شكوى مضادة ﻷنها تسببت فى أذية والده. وتحاول الزوجة التدخل لحماية ابنتها من تهديد زوج الخادمة لهما وتسوية الأمر عن طريق المال وينتهى الفيلم بانفصال الزوجين وتخيير الابنة فى العيش مع احدهما.

أجمل ما فى الفيلم التمثيل..تشعر أن كل الأبطال يتقنون أدوراهم لحد بعيد بما فيهم الرجل المريض بالزهامير والابنة المراهقة والطفلة ابنة الخادمة...وكانت من أقوى اللحظات الدرامية عندما تتضطر الابنة للكذب أمام المحاكمة لتحمى والدها ثم تبكى فى السيارة وهى تنظر إليه نظرة لوم. ولكن يعيب الفيلم أن إيقاعه ليس سريعًا بالقدر الكافى وكذلك لم يقترب السيناريو من الزوجة ودخائل نفسيتها..ولماذا حقًا تريد الرحيل عن البلاد؟

وأنا أشاهد الفيلم شعرت فى أوقات كثيرة أنى اشاهد شوارع القاهرة وزحمتها وحواريها الضيقة، الفرق بين بيوت متوسطى الحال كأسرة البطل وبين بيت الخادمة وكذلك الفرق بين ملابسهم، أورقة المحكمة والشرطة والمستشفى لدرجة أنى ظننت أنهم يصورون فى مجمع التحرير. وضحكت عندما شاهدت الفتيات وهن تسرن فى وسط الشارع بعد خروجهن من المدرسة مثلما يحدث فى مصر بالظبط وكذلك عندما تعاملت موظفة المستشفى مع الزوج بشىء من الإهمال...كان من اللافت أيضًا محاولة معظم الأبطال تحرى الحلال واللجوء للفتوى والقسم على القرآن وإحساس الخادمة أن الله قد ينتقم منها فى ابنتها ﻷنها لم تكن متأكدة تمام التأكد من أن دفعة الرجل هى التى اسقطت الجنين . حقًا شعرت وأنا أشاهد الفيلم أنه أقرب بكثير لثقافتنا من الأفلام الأمريكية والأوربية..بل هو أقرب من معظم الأفلام المصرية والمسلسلات التركية الحديثة التى تتحدث عن الطبقة المرفهة التى تمثل 2% من الشعب.

هنيئًا لإيران بالأوسكار وعقبالنا يا رب.

دينا سعيد
16-9-2012

Wednesday, September 5, 2012

القلب الغاضب (4) - عن النزعة الكمالية أو المثالية Perfectionist


قام دكتور ياسر من نومه ليصلى الفجر فوجد نور حجرة ابنته مضاءًا...طرق الباب ووجدها فى حالة مزرية...تحت عينيها هالات سوداء وأمامها عدة فناجين قهوة فارغة وشعرها منكوش وتكاد تتساقط من التعب على الكتاب.

د. ياسر: مالك يا بنتى
يارا: عندى شيت لازم أسلمه الساعة 9 الصبح يا بابا ولسه فيه كتير
د. ياسر: يعنى فاضلك كام مسألة؟
يارا: لا أنا خلصته من الساعة 1 لكن بأراجع أحسن تتطلع حاجة غلط
د. ياسر: من الساعة 1 للساعة 5 بتراجعى؟ خلاص كفاية مراجعة وقومى صلى الفجر ونامى
يارا: أنا أصلا لم أصل العشاء يا بابا ..غرقت فى الشيت ومخدتش بالى
د. ياسر: باه ده كلام يا يارا!  أحنا مش عارفين أنه لا بركة فى عمل يؤخر الصلاة
يارا: أعمل إيه يعنى يا بابا ما أنا نفسى أجيب تقدير كويس مرة واحدة فى حياتى
د. ياسر: مش فاهم! أنتى مش جايبة جيد جدًا السنة اللى فاتت
يارا: جيد جدًا إيه بس يا بابا؟ أنا عاوزة أطلع الأولى على الدفعة ...أنا حاسة أنى فاشلة فى الكلية دى وبأفكر أحول
د. ياسر: أحنا يا بنتى مش أتكلمنا فى الموضوع ده أكتر من مرة وقلت لك أن الجامعة غير المدرسة...فى المدرسة العدد كان محدود فسهل تتطلعى الأولى
فى الجامعة عدد الطلاب أكثر بكثير ..وأسئلة الامتحانات أعقد...أنا مجبتيش امتياز مش معنى كده انك فاشلة...معناه أن قدرات على قدر جيد جدًا
يارا: بس أنا مش مقتنعة أنا حاسة أنى لو ذاكرت كويس ممكن أجيب امتياز
د. ياسر: مش مختلفين! حاولى على قدر استطاعتك لكن أعطى لكل ذى حق حقه...مش تموتى نفسك
ثم اقترب منها وربت على كتفها: يا حبيبتى أنتى لازم تعرفى أنى هأفضل أحبك وفخور بيكى سواء جبتى امتياز أو مقبول
سواء طلعتى أستاذة فى الجامعة أو مهندسة عادية فى شركة
حبى لكى غير متوقف على تفوقك العلمى...المهم عندى أنك تكونى سعيدة

يلا عشان نصلى الفجر

بعد صلاة  الفجر أخذ د. ياسر ينظر لصورة زوجته المتوفاة ويفكر
"الله سامحك يا سلوى...أنتى اللى عملتى فى البنت كده
كنتى دائمًا بتعاقبيها على أى غلط أو هفوة بسيطة
عاوزها ع طول تمشى على السطر وتكون ألف
وكل ما كنت أقولك بالراحة شوية
تقوللى أنا عاوزها تكون أحسن واحدة فى الدنيا
الدنيا مش مسابقة يا سلوى كل واحد فيها عاوز يثبت أنه أحسن من كل اللى حواليه
نظر إلى ابنته التى تمددت على الأرض من التعب وراحت فى النوم وقال فى سره:
للأسف اتعودت أنها تكون دائمًا مثالية ...أنا خايف عليك جدًا والله
ياما شفت مرضى بالاكتئاب بسبب المثالية..دائمًا غير راضيين عن أنفسهم
دائمًا يُصدمون فى غيرهم عندما يكتشفون أنه غير مثالى وأنه فعل خطأ ما
ربنا يحميك يا بنتى"

د. ياسر: قومى يا يارا نامى فى السرير
يارا: أنام إيه؟ انا عندى امتحان بكرة والمنهج كبير قوى
د. ياسر: عندك امتحان وقعدتى 4 ساعات تراجعى الشيت..مش كان أولى تذاكرى للامتحان
يارا: ما هو يا بابا أنا مقدرش أسلم السيت وفيه غلطة...قلت أخلصه وبعدين أذاكر
د. ياسر: طيب قومى يا بنتى وذاكرى اللى تقدرى عليه
اسمعى:
اعملى لكل باب نصف ساعة فقط ...ولنقلى على اللى بعده حتى لو مش متأكدة أنك مذاكره كويس
ومتفكريش إلا فى الباب اللى قدامك بس
يارا: أنا أصلا مش معقولة أنجح فى الامتحان ده...أنا بأفكر أعتذر للمعيد وأطلب التأجيل
د. ياسر:  يا يارا ميت مرة أقولك بطلى 
All or no thinking
ده....يا أما تعملى الحاجة على أكمل وجه يا أما متتعملش خالص
وبعدين أنا عاوز أسأل سؤال..أنتى  إزاى امبارح قعدتى تتفرجى على التليفزيون 5 ساعات وأنتى وراكى شيت وامتحان؟
يارا: ما هو يا بابا بصراحة أنا كنت بأهرب ...بأعمل
procrastination
زى ما حضرتك بتقول
بس بجد مكنتش قادرة خالص أبدأ فى المذاكرة
د. ياسر: ده عشان بتفكرى أن وراكى حاجات كتير قوى ومش هتقدرى تعمليها على أكمل وجه زى ما أنتى عاوزة
قلنا ميت مرة نقسم الحاجة اللى عاوزين نعملها لحاجات صغيرة ونعمل حاجة بحاجة
يلا عشان عاوز أنام شوية قبل الشغل

فى المساء ...جلست (يارا) تتناول بعضًا من الإيس كريم...تظاهر د. ياسر بأنه لا يراها...هو يعلم أنها عاملة دايت بقالها أسبوعين ولكن مفيش مشكلة أنها تأكل حاجة نفسها فيها خاصة مع ضغط الامتحان
يارا: بابا أطلب لحضرتك بيتزا معايا
د. ياسر: وماله يا حبيتى؟
يارا: أصلى قررت أبوظ الريجيم النهاردة
د. ياسر: مفيش مشكلة

بعد أكل البيتزا...يارا تبكى بشدة
د. ياسر: يا يارا يا حبيبتى أنا مش فاهم إيه المشكلة؟
يارا: أنا أصلا عمرتى ما عرفت التزم بالريجيم أنا مش هأعمل ريجيم تانى
د. ياسر: قوللى يا يارا أنتى عملتى ريجيم كام مرة قبل كده؟
يارا: حوالى 10 مرات
د. ياسر: وكل مرة التزمتى حوالى كام يوم؟
يارا: يعنى فى مرات أسبوعين ومرات شهر ومرة قعدت ملتزمة 3 شهور
د. ياسر: يبقى أزاى عمرك ما عرفتى تلتزمى؟
المشكلة أنك كل مرة بتتضعفى بعد فترة من الزمن وهذا طبيعى
ولكنك لما بتلاقى نفسك خرفتى بتقفى بدل ما نشد اليوم اللى بعده تانى ونروح الجيم  عشان نضيع تأثير ما أكلتيه
يارا: ما هو بصراحة أنا مش بأقدر ..أول ما بأبوظ باحس أن خلاص الدنيا انتهت
وابتدى أكل تانى كل اللى كنت محرومة منه وزى ما حضرتك عارف بأزيد كل اللى خسيته وعليهم حبة كمان
عشان كده أنا بأفكر أنى معملش ريجيم تانى خالص عشان بتكون المحصلة النهائية أنى أزيد
د. ياسر: مشكلتك يا يارا أنك مش بتعرفى تسامحى نفسك
جميل أن يسعى الإنسان لاتقان كل شىء ...لكن أحنا فى الحياة نقوم بأدوار كثيرة
وصعب قوى نتقنها كلها...لازم نضحى بشىء من الجودة هنا وهناك على حسب أهمية الموضوع
أنتى بأه كل الحاجات عندك يا أما مهمة خالص..با اما ملهاش أى أهمية
يا اما تتعمل زى ما أنتى عاوزة بالظبط...يا أما بلاش
مفيش وسط
أنا نفسى تعيشى حياتك كلها تروحى الجامعة وتذاكرى وتخرجى وتلعبى رياضة وتحفظى قرآن وتقرأى كتب تانية ....تعملى كل حاجة بتوازن

تعرفى فى واحد جالى العيادة من يومين عنده 50 سنة بيقولى يا دكتور وانا عندى 20 سنة كان نفسى أحفظ القرآن كله فى سنة
وبعدين مقدرتش أواظب أكثر من شهر على الجدول فتركت الحفظ إلى الآن
بأفكر كتير أنى لو كنت حفظت جزء كل سنة كنت زمانى أتممت حفظ القرآن
جزء فى السنة يعنى أقل من صفحة فى الشهر!

يارا: بس أنا يا بابا أقدر أحفظ 3 أجزاء فى الشهر وأخلص القرآن فى 10 شهور
د. ياسر: يا يارا جميل الهمة العالية هذه لكن لازم تحسبى الوقت اللى هياخده الحفظ وأنتى تقدرى عليه فى ظروفك الحالية أم لا
وبعدين الاحسن الواحد يعمل العمل بشكل تدرجيى..مشيها صفحة فى الشهر ولا فى الأسبوع وبعدين زودى عليها بعد 4 ولا 5 شهور
يارا: معرفش يا بابا أنا بأحس يا أما أشد على نفسى جامد يا أما معملش حاجة خالص
د. ياسر: ما هو يا بنتى أحب الأعمال إلى الله أدوامها وإن قل
أهم حاجة الاستمرار...يعنى تفتكرى لو أنتى مقررة تحفظى صفحة فى الشهر وبعد الشر موتى..ربناهيحاسبك على إيه؟
يارا: اعتقد على نية أنى كنت عاوزة أحفظ القرآن كله
د. ياسر: بالظبط لكن صاحبنا اللى عنده 50 سنة ده لو كان مات وهو عنده 40 سنة مكنش هياخد هذا الثواب لأنه ترك العمل
فهمتنى؟
يارا: يا بابا أنا فاهمة كويس...بس مش بأقدر أنفذ اللى حضرتك بتقوله ده
د. ياسر: لازم تتعودى يا يارا تقولى لنفسك دائمًا كلام إيجابى وتتذكرى الحاجات الكويسة اللى نجحتى فيها وعملتيها بتوفيق ربنا طبعًا
يلا أحنا لازم دلوقتى نحتفل بأنك انجزتى أسبوعين من الريجيم بتاعك...يلا تعالى نروح السينما
يارا: سينما إيه بس يا بابا؟ ما أنا لسه مبوظة
د. ياسر: بأقولك هنحتفل بإنجازك وهننسى النهاردة وبعد أسبوعين تانيين هنحتفل تانى
يارا: بس إن شاء الله هأخس فى الأسبوعين دول خمسة كيلو
د. ياسر: يارا!!  هم 2 كيلو بس..لازم نحط هدف معقول
يلا عشان ميعاد الفيلم هيروح
--------------------------------------

لإيجاز نقط الشخصية ذات النزعة المثالية:
1-All or nothing thinking
2-  دائمًا ما تحط من قدرها وترى نفسها فاشلة أو غير ناجحة
3-  Procrastination
للهروب من المهام ﻷنهم غير قادرين على إنجزاها إلا بطريقة مثالية
4- عدم ترتيب الأوليات (تضييع وقت طويل فى مراجعة الشيت وعدم الصلاة أو النوم أوالمذاكرة للأمتحان
5- Overestimation of Goals
بمعنى أنهم يضعون أهدافًا كبيرة غير واقعية فى مدة زمن غير مناسبة (هتحفظ القرآن فى 10 شهور
6- ترى عيوبها وأخطائها بشكل كارثى
7-  الحذر الشديد لدرجة الكذب من أى موقف يبين أحد عيوب الشخصية أو أن يظهر الشخص على أنه
perfectionist
8- عدم تقبل النقد بسهولة
9-
 فى مراحل متأخرة يُصاب هذا الشخص بالاكتئاب الشديد
وقد تصل لمحاولة الانتحار فى بعض الأحيان

العلاج:
1- تقسيم المهام الكبيرة إلى مهام صغيرة وعمل وقت محدد لها فإذا لم تنجز يتم الانتقال للعمل التالى
2-  تذكر الأشياء الايجابية باستمرار التى انجزها الشخص
3- طلب الدعم والمساعدة من شخص مقرب وخاصة عند الشعور بالفشل والإحباط وإذا لم يوجد يتخيل الشخص
وجوده ويحاول أن يتصور ماذا سيقول الأب الحنون أو الصديق المخلص  فى هذه اللحظات
4- الاحتفال بالإنجازات والانتصارات
5- التركيز على الأشياء التى تم إنجازها والصورة الكلية
وليس الأخطاء البسيطة
6-تقسيم المهام إلى أوليات والرضا ببعض التقصير فى الحاجات التى لا تمثل أهمية كبرى
7- لو شعرت أن الأمر خارج عن تحكمك، فمن الأفضل استشارة طبيب نفسى

ننويه 1:  هناك شخصيات تجمع ما بين النزعة المثالية والنرجسية التى تكلمنا عنها فى الحلقة الثالثة كما أن هناك شخصيات تجمع بين النرجسية والحدية
التى تحدثنا عنه فى الحلقة الأولى

تنويه 2: تمت المراجعة من الطبيبة النفسية ريهام نجيب

للمزيد من المراجع:
1-  How to help a perfectionist?

2- 10 Ways To Tell If You Are A Perfectionist


3- The Perfectionist Personality Disorder


4- Why perfect is not always best


دينا سعيد
2-9-2012