كلنا نعلم أن الله تعالى أرسل لنا كتابين: الكتاب المقروء وهو القرآن الكريم والكتاب المنظور وهو الكون. كنت أظن أن الكتاب المنظور هدفه أن نتأمل إبداع الله فى خلقه وبذلك يزداد يقيننا فى وجوده سبحانه. ولكن تبين لى أن هناك هدف أسمى من ذلك وهو تأمل قوانين الكون والحياة ثم ربطها بحياتنا وعلاقتنا بالله تعالى. والفضل فى هذا التأمل الجديد يرجع إلى مقالات د. أيمن الجندى فى المصرى اليوم ومقالات المهندس أحمد كمال
http://cleardeepthinking.blogspot.com/
مثلًا كلنا يعلم أن الأرض تدور حول الشمس، ولكن لماذا تدور حول الأرض حول الشمس ولا يحدث العكس؟ ولماذا أصلا تدور الأرض؟ لماذا لا تقف ثابتة؟ستقول لى أن الأرض تدور حول الشمس حتى يحدث تعاقب الفصول الأربعة.
لكن هذه هى النتيجة وليس السبب!!
فى الواقع أن قوانين نيتون للحركة هى التى فسرت حركة الأرض والكواكب. فالقانون الأول يقول ببساطة أن كل جسم ساكن أو متحرك بحركة منتظمة يستمر فى سكونه أو حركته ما لم تؤثر عليه قوة خارجية. فمثلا إذا كان لديك كرة ساكنة ستظل ساكنة حتى تدفعها مثلًا.
وكذلك الأرض وبقية الكواكب فى الأصل ثابتة ولكن بسبب قوة جذب الشمس لها دارت فى فى مسار بيضاوى
Ellipseحول الشمس
ولكن قانون نيتون الثالث الذى نحفظه جميعا يخبرنا أن لكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد له فى الإتجاه.. إذًا فالمفروض أن هناك قوة تجعل الأرض تجذب الشمس كما تجذب الشمس الأرض كرد فعل عكسى ، وهذه القوة يجب أن تدفع الشمس للحركة. ولكن لماذا لا تتحرك الشمس أيضا؟
فى الواقع أن الشمس تتحرك ولكنها حركة بطيئة جدا غير ملحوظة وذلك لأن كتلة الشمس أكبر بكثير من كتلة الأرض حوالى 2 مليون ضعف، وطبعا كلما زادت كتلة الجسم زادت قوة جذبه...تخيل قوة جذب قاطرة لسيارة 128 مقابل قوة جذب السيارة للقاطرة.
ولذلك قوة جذب الشمس للأرض أكبر بكثير من قوة جذب الأرض للشمس لأن الشمس أكبر بكثير من الأرض، فتكون النهاية أن الأرض هى التى تتحرك وليس العكس
لكن لو رجعنا لمثال القاطرة لوجدنا أن السيارة تتحرك فى إتجاه القاطرة ولا تدور حولها، فلماذا إذًا تتحرك الأرض فى مسار بيضاوى ولا تتحرك فى اتجاه الشمس لتتلصق فى النهاية بها أو تتحطم على سطحها؟
وذلك لأن قوة آخرى داخل نابعة من الأرض وهى المسماة بالقوة الطاردة المركزية التى هى من القوة بحيث تتعادل إلى حد ما مع قوة جذب الشمس للأرض فتحافظ على الأرض فى مسارها
خلصنا حصة الفيزياء...ندخل على حصة الدين:) :)
ما تطبيق قوانين الحركة هذه وحركة الشمس والكواكب على حياتنا نحن كبنى آدمين؟
هل فكرت من قبل فى قوله تعالى
"وكلٌ فى فلك يسبحون"
أنت وأنا وكل مخلوقات الله تعالى تدور فى أفلاك...ربما كان التفسير الأولى أننا ندور فى فلك حول الشمس مع الأرض
فى أثناء دورانها حولها ولكن ربما كان هناك معنى أبعد من ذلك
مبدئيا هناك قوتان عكس بعض فى هذا الكون، قوة الخير وقوة الشر أو لنقل قوة الإيمان وقوة الشيطان. وكلما زادت قوة الإيمان داخل الإنسان، كلما زادت وسوسة الشيطان له لأنه يستفزه بإيمانه كرد فعل عكسى لقوة الإيمان بداخله.
ألم تلاحظ انك كلما هممت بعمل طاعة، تجد شياطين الجن -و معهم شياطين الإنس الذين يوسوس لهم شياطين الجن- يثنوك عنها ويجذبوك إلى معاصى كثيرة ربما لم تكن تخطر ببالك؟
فهذه هى قوة الشيطان التى تزيد كلما زاد إيمانك الذى فى حد ذاته يزداد مع كل طاعة تقوم بها ويقل مع كل معصية تقترفها
لذا فلنعتبر أن المؤمن هو الشمس والشيطان هو الكوكب الذى يلف ويدور حول المؤمن بوساوسه. ولكن لأن كتلة الشيطان ضعيفة (إن كيد الشيطان كان ضعيفًا) وكتلة المؤمن قوية(بثباته على إيمانه) فإن المحصلة النهائية تكون أن الشيطان هو من يدور حول المؤمن بالوسوسة ولا يتحرك المؤمن تجاه الشيطان(إن عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين)
نأتى لهولاء الغاوين، هم كتلهم ضعيفة أقل حتى من كتلة الشيطان فتنعكس الآية حيث يكون هذا الغاوى هم من يدور فى فلك الشيطان وهولاء هم الذين اتخذوا الشيطان وليًا بدلًا من أن يتخذوه عدوًا
ولكن لو رجعنا للفيزياء لوجدنا أنه كلما بعد الجسم كلما قلت قوة الجذب..تخيل نفسك تشد كرة بعيدة فى مقابل كرة قريبة من نفس الكتلة.
لذلك هناك من ضعاف الإيمان من هم بعيدين عن الشيطان بحكم نشأتهم مثلًا او احترامًا لأنفسهم فلا يرتكبون الفواحش ولا يقصدون أماكن الفجور ليس من أجل الله ولكن من أجل أن ذلك لا يليق بهم..فبذلك يحافظون على مسافة كافية بينهم وبين الشيطان...هم ما زالوا يدورون فى فلكه بسبب ضعف إيمانهم لكن غواية الشيطان لهم ضعيفة لاحتفاظهم بهذه المسافة بينهم وبينه
أما المؤمنون الذين يدور الشيطان حولهم بالوسوسة فلو تتبعوا خطوات الشيطان سيقتربون منه تدريجيا فتزداد قوة جذبه على الرغم من ضعف كيده (قلة كتلته) وربما زادت قوته لتغلب قوة إيمانهم ليصبحوا تدريجيا هم الذين يدورون فى فلكه كما الغاوين فى المثال السابق لذلك نجد التحذير الربانى(يأيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين)
وهناك من تكون المعركة سجالًا بينه وبين الشيطان، تارة يدورن فى فلكه وتارة يدور فى فلكهم. فإذا اعترفوا بذنوبهم وتابوا وأنابوا قبل موتهم كانوا فيمن قال فيهم رب العزة
( وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم ( 102 )
هل تتذكرون مثال القاطرة والسيارة 128؟ وكيف أن العربة تنجذب إلى القاطرة ولا تدور حولها؟
هذا ينطبق على معدومى الإيمان أو الكفار الذين ليس لديهم أى مقاومة للشيطان لذلك فهو يسبحهم ويجرهم معه إينما شاء وهو ما عبرت عنه الآية الكريمة(لأحتنكن ذريته إلا قليلا)
يفسر علماء اللغة لأحتنكن مثل ما يجر الفلاح البهيمة من الحنك باللجام ويسحبها معه أينما شاء
وفى المقابل نجد أشداء الإيمان مثل سيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا أبى بكر ، هولاء لا يستطيع أن يدور الشيطان فى فلكهم بالوسوسة بل أنهم من فرط إيمانهم يجذبونه إليهم بقوة ليحطموه على صخرة إيمانهم..مثلما يحدث فى النيازك التى ترتطم بالأرض ولذلك أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا عمر أن الشيطان إذا رأه قادمًا من طريق سلك طريق غيره، فى تعبير مجازى عن قوة إيمان سيدنا عمر بالنسبة لكيد الشيطان الضعيف حتى أصبح الشيطان خائفا من التعرض له
الخلاصة:
- زود كتلتك الإيمانية باستمرار حتى تصبح كالشمس التى لا يستطيع أى كوكب أن يحركها من مكانها
- أعلم أنه كلما زاد إيمانك، زاد استفزازك للشيطان ليظل يحوم ويدور حولك بوساوسه
- كلما زادت المسافة بينك وبين الشيطان كلما ضعف تأثير وسواسه عليك فلا تحم حول الحمم حتى لا تقع فيها
وتنقلب الآية تدريجيا لتصبح أنت من تدور فى فلك الشيطان
لهواة المعادلات الفيزيائية:
F=ma = m * v^2 /r,
where F is the force, m is the mass, a is the acceleration, v is the velocity, and r is the distance
والله تعالى أعلى وأعلم
بقلم: أحمد كمال ودينا سعيد
10-11-2010