عندما يقول أحدهم أنا طاير من السعادة فلا تحسبن أن هذه مبالغة
فاليوم شعرت أنى أطير من السعادة
وكيف لا؟ وقد وفقنى الله أن أعمل معه
مع أستاذى
هذا الرجل الذى علمنى الأخلاقيات
هذا الرجل الذى زرع في ما لم يزرعه فى أبى وأمى
أنه المعلم والقدوة
كان يتكلم فاستمع إليه وأنا على رأسى الطير
وكنت ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
لذا فقد كنت أبادر بتنفيذ كل شىء يقوله
اجتهدت ﻷغير نفسى
ﻷجعلها مثال للشرف والأمانة وحب الخير
كم أثر فى
كم أنا مدينة له بالفضل
واليوم اختارنى ﻷعمل معه بعد تخرجى
سأكون معيدة للمادة التى يدرسها
سأكون ذراعه اليمنى
سأقضى معه أوقاتًا أطول
سأتناقش معه واكتسب المزيد من علمه وخبرته
كل زملائى يحسدونى على هذا الشرف العظيم
أنى سأكون مساعدة الأستاذ
.....
فى البداية كذبت نفسى كثيرًا
فقد كان أستاذى أقرب ما يكون لديكتاتور
لا يقبل المناقشة فى أى تفصيلة
يريد أن يتم تدريس كل شىء كما يراه ويريده
كنت اجتهد فى عملى وأحضر من مراجع آخرى غير الكاتب القديم الذى يحضر منه
ولكنه كان لا يقبل بأى من هذا
ويصر على رأيه حتى لو تبين له خطأه
اتهمت نفسى بأنى غير مهذبة
وأنى لا أعرف كيف أعرض الأمر عليه بلباقة حتى يتقبله
كان أهون على أن أصدق أنى أنا الجاهلة
على أن أتهمه بأى نقيصة
فى النهاية استسلمت
اعتبرت أنه قائد الربان فليوجهه كما يشاء
وفقدت حماسى له ولكلماته عن حرية الرأى والإبداع
التى كان يرددها على مسامعنا ونحن طلاب
وما زال يرددها
كنت أسمعه فأقول فى نفسى
"أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم"
-----
اتضح أن الحياة ما زالت تدخر لى ما هو أبشع من أسوأ كوابيسى
فى يوم مرضت زوجة أستاذى وذهبت لزيارتها
فأعطانى مفتاح مكتبه لأحضر له أوراقًا هامة
دخلت المكتب ورأيت أوراق امتحانات آخر العام
شعرت بالفضول أن أعرف بماذا أجاب الطلاب
فأخذت اتصفح الأوراق حتى توقفت أمام ورقة امتحان
"الواد ده حمار"
هتفت داخل نفسى..إجابته غبية جدًا
ولكن ما هذا الذى أراه
أستاذى أعطى له درجات عالية جدًا
ربما فى الأمر خطأ
لا ليس بخطأ على الإطلاق
فهناك تعمد واضح جدًا لإعطاء هذا الطالب أكثر بكثير مما يستحق
هذا الطالب يستحق الرسوب بجدارة
ولكن أستاذى أعطى له جيد جدًا
ولكن من هذا الطالب؟
الأسماء سرية
ولكن هناك علامة فى الورق
علامة واصحة لا تخطأها أى عين
خطين بالأزرق مسطرين من فوق
و3 خطوط بالأحمر من تحت
واضح أن أستاذى كان يعرف لمن هذه الورقة
أتكون ورقة ابن الوزير؟!!!!!
جريت على مكتبى
ونثرت التمارين التى لم أصححها بعد على الأرض
حتى وقعت عيناى على ورقة ابن الوزير
وكان تطابق الخطوط لا تخطأه أى عين
فلا يمكن أن يتواجد اثنان بهذا الخط الزبالة فى الدفعة
مادت الأرض بى وقد اكتشفت الكارثة
جعلت أتحسس الحائط لاستطيع المشى دون أن أقع
أمعقول هذا؟؟؟
أستاذى العظيم ...رجل الأخلاق والمبادىء
يخطأ هذه الخطأ الأخلاقى الفادح
يبيع ضميره!!!
بماذا أغروه؟!! ربما هددوه؟!!
ولماذا استسلم؟
لماذا لم يقل "لا"؟
-------
قضيت أيامًا فى السرير فى شبه اكتئاب
لم أكن استطع أن أفضفض ﻷى مخلوق
كيف أشوه صورته؟ كيف أقضى بيدى على قدوة زملائى؟
كيف أفتنهم به؟
لا لن أفعل....تذكرت قوله تعالى "ولا تنسوا الفضل بينكم"
شعرت أن الصمت هو أحسن طريقة لرد الجميل
ولكنى لن استطيع أن أتعامل معه بعد اليوم
أنا بشر
استقلت وسافرت للخارج
كانت الصدمة كفيلة أن تدمر كل معنى جميل بداخلى
ولكن رحمة ربى كانت أوسع لى
قضيت أيامًا وشهورًا أفكر وأتأمل
حتى استطعت أن أفصل الكلام عن قائله
إنى مؤمنة تمامًا بكل ما كان يقوله
بكل ما علمنى أياه
وإذا كان هناك خلل فى التطبيق فالعيب فى الإنسان
وليس فى المبدىء ذاته
شعرت بالارتياح النفسى عندما وصلت لهذه النتيجة
إنى الآن استطيع الحياة
-------------------
لقد علا نجم أستاذى كثيرًا
يستضيفونه فى البرامج التليفزيونية
كمفكر عظيم ومعلم أجيال
أجد أصدقائى يشاركون كلامه على الفيس بوك
اقرأ تعليقات من قبيل
"هذا الرجل أكثر من رائع"
"لو عندنا عشرة من هذا فى مصر لكفى"
"يا ليته يكون وزيرًا أو حتى رئيس جمهورية"
كلام..كلام..كلام
مديح...مديح..مديح
اشعر بالرغبة فى التقيؤ
أشعر بالرغبة فى الصراخ
يا ناس افهموا
"ليس كل ما يلمع ذهبًا"
أقرأ قوله تعالى
"ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام"
أقرأه فأكاد أجثو على ركبتى باكية داعية الله
ألا يجعلنى ممن يقولون ما لا يفعلون
دينا سعيد
8-1-2011
--------------------------------------------------------------------------------
تنويه: مستوحى من مجموعة كبيرة من القصص الحقيقة التى حدثت على مدار العصور
وما زالت تحدث حتى وقتنا هذا