عبد المنعم أبو الفتوح: شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر 1970-1984 by عبد المنعم أبو الفتوح
My rating: 4 of 5 stars
أنصح بقراءة هذا الكتاب خاصةً لمن يضع الأخوان والسلفيين والجهاد وغيرها من الحركات الإسلامية فى سلة واحدة...فى هذا الكتاب ستتعرف إلى حد ما على الخط الفاصل ما بين هذه التيارات الإسلامية وستدرك كذلك أن المرء قد يغير من تفكيره مع الزمن فهناك من كان سلفى وأصبح أخوانى وهناك من كان سلفى وأصبح جهادى..ستتعرف على تجربة د. عبد المنعم أبو الفتوح كشاهد ولاعب أساسى فى نشأة الحركات الطلابية فى السبعينات...ستقترب أكثر من فكر اﻷخوان وربما تفهم سبب مواقفهم المختلفة الحالية فى ضوء المواقف التى ذكرها د. أبو الفتوح.
يحدثنا د. أبو الفتوح عن نشأة الجماعة الإسلامية فى جامعات مصر فى السبعينات وكيف أن معظم الأشياء التى حدثت فى نشأتها كانت عفوية بما فيها اختيار اسم الجماعة نفسها...كان طبيعى على شباب يحب الدين ولا يجد مرجعية دينية مناسبة أن يتطرف فى فكره ويغرق فى الفكر السلفى خاصة مع تدفق الكتب السلفية المجانية من السعودية وتنظيم رحلات العمرة هناك لدرجة أن د. أبو الفتوح سافر للعمرة ب25 جنيهًا فقط..ويقول أن هناك شباب كان يقيم فى السعودية حتى الحج ويتعلم هناك على يد المشايخ ويرجع وقد أصبح شيخًا سلفيًا. اعتقد أيضًا أن وجود التيار الشيوعى ومهاجمتهم للإسلام ورموزه والسخرية منه ساهمت فى تطرف هذا الشباب فكريًا كرد فعل عكسى...ولكنى لم أفهم كيف كان الشيخ الغزالى والقرضاوى يعطون محاضرات لهولاء الشباب فى المخميات والندوات الدينية ورغم ذلك ظل الشباب على تطرفهم الفكرى.
كانت النقطة الفاصلة فى الجامعة الإسلامية وربما فى تاريخ مصر هى خروج الأخوان المسلمين من المعتقلات فى منتصف السبعينات وموافقة معظم قادة الجماعة الإسلامية على الانضمام تحت لواء الأخوان وجعل قادتها الذين خرجوا لتوهم من السجون فادة لهم..ومن هنا جاء تصحيح للمسار الفكرى لكثير من أفراد الجماعة الإسلامية خاصة على يد عمر التلمسانى ووضح د. أبو الفتوح العديد من المواقف التى كان يتشدد فيها الشبابو يعتبرونها خطًا أحمرًا مثل تحريم الموسيقى وفرض اللحية وكيف كان قادة الأخوان يستوعبهم ويحاولون اقناعهم بالوسيطة...وكذلك وضح قضية تكفير المجتمع والتغيير بالعنف وكيف كان ينقسم أعضاء الجماعة الإسلامية تجاهها فمنهم من كان متحمسًا للتغيير الآن بالعنف وبالفعل قام بمحاولات ساذجة مثل انقلاب الفنية العسكرية ومنهم من كان يرى أن الوقت لم يأتى بعد لاستخدام العنف...ولكن التيار الإصلاحى فى الأخوان المسلمين كان يحاول الرجوع إلى دعوة (حسن البنا) الأصلية ويرى أن العنف لابد أن يٌطلق بالثلاثة. ومن هنا رفض البعض الانضمام تحت لواء الاخوان المسلمين وتمايزات التيارات ما بين أخوان وسلفية وجهادية وتكفيرية.
كان من اللافت للنظر حديث د. أبو الفتوح عن السادات ورغم أن السادات أصدر أمرًا بحرمان د. أبو الفتوح من التعيين فى الجامعة عقابًا له على تجاوزه معه فى اللقاء الفكرى لكن د. أبو الفتوح كان يرى أن هذا أقل عقاب من رئيس جمهورية وشعرت أنه يقدر السادات فى مرحلة حكمه الأولى وكيف أن سياسته فى التحرر الفكرى وإطلاق الحريات كانت أهم عامل من عوامل نشاة الجامعة الإسلامية وقدرتهم على إقامة المعسكرات الإسلامية وإصدار مجلات الدعوة بدون أى مضايقات أمنية..ويقارن د. أبو الفتوح بين عصر مبارك والسادات فى أنه فى عصر مبارك كان هناك حرية رأى بدون عمل سياسى ولكن فى عصر السادات كانت هناك حرية راى وعمل سياسى...ولم يفت د. أبو الفتوح أن يؤكد أنه لم تكن هناك أى نوع من الصفقات بين الجماعة الإسلامية والسادات لضرب الناصريين والشوعيين...ولكن السادات أتاح المجال للجميع وهو يشعر أن الشعب المصرى الذى بطبيعته متدين سيلجأ أكثره للإسلاميين مما سيسحب البساط من الشوعييين...ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن فبعد إصرار السادات على معاهدة السلام ومعارضة الجماعة الإسلامية ومعظم القوى الإسلامية لها، أصبح السادات عدوًا للجميع...وبدأ التحرش الأمنى بالإسلاميين والذى انتهى بدخولهم المعتقلات فى نهاية حكمه..ويرى د. أبو الفتوح أن غضب السادات الشديد قد يكون له ما يبرره ﻷن بعض الشيوخ تطاول عليه بشدة وقالوا أنه عميل لأمريكا بل أن الشيخ المحلاوى أساء كثيرًا لزوجته جيهان.
قراءتى للمذكرات جعلتنى اقترب من فكر الأخوان إلى حد ما وأفهم بعض من موافقهم السياسية الحالية خاصة من خلال ثلاثة مواقف:
الأول: عندما كانت د. أمينة السعيد تهاجم الأخوان فى مقالاتها ودخل د. أبو الفتوح على عمر التلمسانى فوجوده يكلمها فى التليفون ليأخذ منها ميعاد فغضب د. أبو الفتوح بشدة ووضح له التلمسانى أنه سيذهب ليشرح لها دعوتهم فإن أقنعت ربحنا وإن لم تقتنع لم نخسر شيئًا. وللدهشة فقد توقفت د. أمينة السعيد عن مهاجمة الأخوان بعد هذه الزيارة.
يبدو هذا الموقف البسيط عنوانًا لمنهج التيار الإصلاحى فى الجماعةة والذى تعلمه د. أبو الفتوح من حيث عدم أخذ مواقف حادة من الشخصيات والاستمرار فى محاولة دعوتها حتى لو كانت من ألد الخصوم.
الثانى: أحداث الزاوية الحمراء وما حدث وقتها من قيام بعض الشباب السلفى بمهاجمة الشاب إذا وجدوه يسير بصحبة فتاة وكذلك هجومهم على بعض الأقباط وتعجب د. أبو الفتوح من أن الشرطة كانت لا تقوم بتحرير محاضر للمعتدى عليهم وكأنهم يريدونه أن يأخذ حقه بيده ويرد بالمثل فتشتعل الفتنة...ويرى د. أبو الفتوح أن السادات أراد تأجيج هذه الفتنة لتساعده عندما يقبض على الإسلاميين بسبب خلافه معهم على كامب ديفيد.
ولذلك حاول قادة الأخوان درء الفتنة والتدخل لدى كل الأطراف فى الزاوية الحمراء وغيرها حتى لا تشتعل البلاد كما كان يريد النظام.
هذا الموقف تكرر كثيرًا بعد الثورة فى أكثر من مكان، حتى مهاجمة البعض للشباب مع الفتيات حدثت وكأنهم يقرأون من نفس الكتاب..إن التاريخ لا يعيد نفسه ولكنها أساليب محفوظة ومعلومة النتائج ينفذوها مع الشعب ومن يقرأ التاريخ يعلم كيف يتعامل معها.
الثالث: موقف الجماعة من الغزو السوفيتى لأفغنستان...فى بداية الغزو كان الإسلاميون يطالبون الحكومات العربية بفتح باب الجهاد ..وفجأة تم فتح الباب بالفعل..اعتقد قادة الجماعة أن هذا لم يكن ليحدث إلا بإشارة من أمريكا وأنها لم تليث ألا تنقلب على هولاء الشباب بعد أن تستغلهم من أجل القضاء على الإتحاد السوفيتى..ومن هنا جاء قرار الجماعة بعدم المشاركة كأفراد فى الجهاد فى أفغنستان ولكن فقط المشاركة المادية والمعنوية والطبية ...يقول د. أبو الفتوح أن ما توقعته الجماعة حدث بالفعل...ويبدو أن كان هناك الكثير من الإسلاميين كانوا يرون فى قرار الجماعة بعدم الجهاد تخاذلًا عن نصرة الإسلام! ألا يذكرك هذا بشىء.
شخصيًا لا استطيع أن أقيم إذا كان هذا القرار صائبًا أم لا..ولكن يبدو أن هذه طريقة تفكير الجماعة منذ الازل وهو عدم الاندفاع فى الشىء الذى يبدو ظاهره خيرًا وجهادًا وهذا الفكر أكتسبوه من خلال سنوات طويلة من ممارسة العمل السياسى وكلما صدق حدسهم فى قرار كلما كان تمسكهم بهذا المنهج.
كانت أكثر الأجزاء تأثيرًا بالنسبة لى حديث د. أبو الفتوح عن الأستاذ كمال السنانيري وقصة زواجه من أخت سيد قطب الذى كان زميله فى الزنانة وعندما رأته السيدة الشابة وعرفت بطلاق زوجته منه ووفاة ابنته الصغيرة طلبت من أخيها أن يزوجها له..وتم عقد القرآن فى السجن ثم تم البناء بعدها بسنوات عندما خرج السنانيرى من المعتقل وما هى إلا سنوات قليلة حتى توفى فى المعتقل سنة 1981 من أثر التعذيب كما يبدو. وقد كتبت الزوجة قصيدة رثاء فيه من أروع ما قرأت
http://youtu.be/rzqFvKOrSpY
أكثر ما يعيب الكتاب هو النهاية المبتورة..تشعر فجأة ان المذكرات انتهت..اعتقد أن كان من الممكن وضع بعض الجمل التى تتحدث عن المستقبل وخاصة مع إشارة د. أبو الفتوح لسنة 1995 دون أن يوضح ما الذى حدث فيها (اعتقد أنها قضية سلسبيل). وكذلك يبدو د. أبو الفتوح مترفعًا بعض الشىء عن نقد بعض التيارات الفكرية المتشددة ..بل يبدو وكأنه يلتمس العذر للجميع بما فيهم السادات..واعتقد أن هذه شخصيته التى لا تميل إلى الصدام بل تميل أكثر إلى استعياب الآخر وهو ما يبدو أنه تعلمه من التلمسانى.
بعد انتهائى من الكتاب أجدنى أتأمل فى تدبير الله عز وجل ...فمثلًا ما الذى كان من الممكن أن يحدث إذا لم يخرج قادة الاخوان من السجون فى عهد السادات واستمرت الجماعة الإسلامية فى منهجها المتشدد...أو ما الذى كان من الممكن أن يحدث لو رفض قادة الجماعة الانضمام تحت لواء الأخوان نزعًا للقيادة والفردية؟ أو إذا كان فشل الأخوان فى استعياب فكر هولاء الشباب والصبر كلهم؟ الغريب فى الأمر أن قادة الجماعة عندما دخلوا المعتقلات فى عهد عبد الناصر ظنوا أن دعوتهم انتهت وأنهم سيخرجون من السجون فلا يشاهدون أثرًا للإسلام فى البلاد ولكنهم خرجوا ليجدوا آلاف من الشباب المتحمس للإسلام الذى ضمته الجماعة الإسلامية...فكان بعضهم يبكى فرحة من عدم التصديق...فماذا لو عرفوا أنه سيأتى منهم رئيسًا للجمهورية المصرية فى أقل من أربعين عامًا؟
View all my reviews