Search This Blog

Monday, September 27, 2010

ثلاث سيدات

أحيانًا يمر على الإنسان أشخاص فى حياته ربما لا يتجاوز لقاؤه معهم بضع ساعات أو حتى دقائق، ولكنهم يظلون محفورين فى ذاكرته بطريقة أو بآخرى...ربما نسى أسماءهم أو حتى وجهوهم ، ولكن الأثر الذى أحدثوه فيه - سواء كان سلبًا أو إيجابًا- يظل يملأ نفسه.

وقد اخترت اليوم أن أحدثكم عن ثلاث سيدات قابلتهن فى رمضان الماضى وتعلمت منهن الكثير والكثير




[1] واستعينوا بالصبر والصلاة .....فريدة




لم أكن أعلم من قبل أن الأثيوبيين يشاركون المصريين فى خفة الدم حتى التقيت بفريدة...سيدة فى حوالى الأربعين من عمرها متوسطة الجمال لكن وجهها مريح لحد كبير، كانت كثيرًا ما تضحكنا بقفشاتها وحلاوة روحها وإن كان كلامها معنا قليلًا حيث كانت معظم الوقت تصلى أو تسبح على سبحة مكونة من ألف حبة - لم أر مثيلًا لها فى حياتى...كنت أشعر أن بها شىء غير طبيعى حتى جاء اليوم الذى وضعت فيه معطفى فوق معطفها..فوجدتها بعد قليل تتناول معطفى فنبهتها إلى أنه معطفى فاعتذرت فى أدب...ظننت عندها أنها ربما كانت مصابة بعمى ألوان أو غير مركزة

فى اليوم التالى أخبرتهن أنى ذاهبة لقضاء حاجة ثم عدلت عن رأيى وجلست أقرأ القرآن أمام فريدة بصوت خفيض وبعد عدة دقائق وجدتها تسأل عنى لماذا تأخرت دينا؟ عندها فقط نظرنا جميعا لبعضنا البعض وقد فهمنا أنها كفيفة لأنى كنت وقتها أجلس أمامها مباشرة!!




ما أدهشنى ليس أنها كفيفة فقد قابلت من قبل الكثير من المكفوفين ولكنها كانت المرة الأولى التى أقابل فيها كفيفة وأقضى معها أسبوعًا كاملًا دون أن أراها تطلب مساعدة من أى أحد أو حتى تخبر الناس بما ابتلاها الله به فلا يشعر أحد بما تعانيه...شعرت أن فريدة بصلاتها الطويلة وتسبيحها المستمر تجسد أمامى الآية الكريمة

"واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين"

[2] ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة...كوثر

لا اعتقد أنى سأنسى أبدًا هذه السيدة الأفغانية المتشحة بالسواد ذات الوجه الصبوح والابتسامة المشرقة، كنت أرى فى ابتسامتها الصافية من لا يحمل للدنيا همًا ولا نكدًا ....كانت كوثر تأتى يوميًا للمسجد وقت الإفطار محملة بالحلوى الأفغانية التى صنعتها بيديها..ثم تضعها وسط المائدة وتجلس بيننا تأكل فى صمت وهى مبتسمة...عرفت أن كوثر لا تعرف اللغة الإنجليزية ولا تفهم شيئا مما نقول..أحسست أنها وحيدة وأنها تجد فى جلوسها معنا بعض الأنس حتى وإن كانت لا تفهمنا

وفى يوم وجدت سيدة تجمع نقودًا من أجل كوثر، لأنها عرفت من أحدى الأفغانيات أن زوج كوثر توفى منذ شهور قليلة وأنها ليس لها أى مورد رزق ولا أهل فى كندا، كما أنه من الصعب جدًا أن تجد عملًا وهى لا تتقن الإنجليزية...عندها حدث لى ما يشبه الصدمة فأن يكون الإنسان بلا مورد رزق فى بلده وبين أهله شىء وأن يحدث هذا فى الغربة شىء مختلف تمامًا لا يشعر به ألا من ذاق طعم عدم الأمان فى الغربة ولو لدقائق معدودة.

تعجبت من ابتسامة كوثر وجعلت أتذكر الحلوى التى تصنعها لنا يوميًا رغم ما بها من ضيق ذات اليد...وزاد تعجبى ودهشتى عندما وجدتها فى اليوم التالى لأخذها النقود التى جُمعت لها - رغم قلتها- تدخل علينا حاملة شنط كبيرة من الموز لتضعها فى إفطار المسجد وعلى وجهها نفس الابتسامة المطمئنة لرزق الله ..صدق من قال
"ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"

[3]  "وما يعلم جنود ربك إلا هو"....خديجة

إذا رأيت هذه السيدة الصومالية المرحة ذات  الثلاثين عامًا لن تصدق أن لديها ولدين فى سن المراهقة أخذهما طليقها ليعيشا معه على بعد آلاف الأميال منها...لن تصدق وأنت ترى حيويتها  ونشاطها أنها تحمل قلب أم حُرمت من أولادها ...لأنها ببساطة مشغولة بما هو أكبر بكثير...مشغولة بالدعوة إلى الله..

هى تدعو فى كل مكان تذهب إليه فى العمل، فى الأتوبيسات، حتى فى أماكن المشردين. حتى أنها ذهبت لأحدى الولايات الأمريكة لمدة شهر لزيارة أحد أقاربها فأشاد بها إمام الجامع وقال عن أن هناك امرأة صومالية من كندا فعلت للدعوة ما لم يفعله معظم من يعيشون هنا منذ سنوات طويلة.

رأيت خديجة لأول مرة وهى تتحدث مع فتاة كندية أقنعتها بالمجىء معها للمسجد لترى المسلمين فى عبادتهم بعد محادثة قصيرة معها فى الأتوبيس...جعلت استمع لها وهى تُحدث الفتاة..ما تقوله أعرفه جيدُا ويعرفه تقرييُا كل مسلم...ولكن خديجة تتكلم بأسلوب مختلف...هناك شىء فى صوتها يبرهن أن كل كلمة تقولها خارجة من القلب ...كانت تقول للفتاة إن الإسلام منحنى السلام النفسى والروحى لذلك أنا أريد أن يشعر كل الناس بما أشعر به...كلام بسيط جدًا ولكنه مؤثر فى أى انسان شعر بتعاسة سيطرة الماديات على روحه وما أكثرهم فى الغرب 

كنت أتساءل ما الذى يعوقنا أن نصبح مثل خديجة نتحدث عن الإسلام مع كل من نعرفه ولا نعرفه؟ لم أجد جوابًا...حتى تحدث الإمام فى خطبة استراحة التراويح عن حرق القرآن الكريم وأن الرد الأمثل أن نستغل هذا الحدث إيجابيا فنوزع نسخًا مترجمة للقرآن على غير المسلمين وذلك لأن معظم الناس عندها فضول الآن أن تقرأ الكتاب الذى يريد هذا القس أن يحرقه...أعجبت بالفكرة جدًا وفكرت أن أهدى هذه النسخ لبعض أصدقائى غير المسلمين..ولكن خديجة كانت مختلفة فى رد فعلها فما أن انتهت الصلاة حتى وجدتها تدخل إلى مصلى الرجال لتُحدث الإمام و تخرج وهى محملة
بشنطة مليئة بنسخ القرآن المترجمة...قالت لى سأذهب غدًا لأوزع هذه النسخ فى المركز التجارى..سأخبر الناس أن يبدأوا بقراءة سورة مريم حتى يعرفوا إذا كان الكتاب الذى يٌعظم السيدة مريم هكذا يستحق الحرق أم لا

وقبل أن تنصرف وجدتها ترجونى أن أدعو لها أن يظل قلبها نقيًا لا يحمل أى كره ولا مشاعر سلبية لأى انسان لأنها تعلم يقينًا أنها لن تستطيع الدعوة للإسلام إذا تلوث هذا القلب...عندها احتضنتها وأجهشت بالبكاء ...فقد علمت وقتها ما الذى يمنعنى ويمنع غيرى أن نكون من أجناد الله مثل خديجة، ندعو للإسلام فى كل مكان...عرفت الإجابة ولا أعلم ماذا أفعل بعد أن عرفتها
سوى أن أسأل الله مثلها أن يكون قلبى نقيًا صافيًا لا يعرف غلًا ولا حقدًا ولا كراهية لأى بشر... فهل يمن الله علي بهذا القلب؟


ملحوظة: تم تغيير الأسماء حماية لخصوصية هولاء السيدات
سؤال المقالة: ما هو الشىء الذى يجمع بين السيدات الثلاثة؟

4 comments:

  1. يجمع الثلاث سيدات الرضى والشعور بالاطمئنان إلى جوار الله
    لكن الموضوع والأسلوب أكثر من رائع زادك الله حرصا على نقل الدروس المستفادة من الحياة

    ReplyDelete
  2. اعتقد ان ما يجمع بين السيدات الثلاثة هو الربانية و الشعور ان كل شيء لله كما في حالة كوثر يجعلها لا تبخل بشيء لأن كله من عند الله و بالإستعانة بالله كما في حالة فريدة التي لا تطلب من المخلوق لأن معها الخالق و معية الله تعطيهم الشعور بالقوة لفعل ما يفعلنه فلا تتكاسلن كما في حالة خديجة و هذا مرة أخري معني الربانية و هي ان تستشعر ان كل ما تقوم به من عمل يجب ان يكون لله و بالله و مع الله

    ReplyDelete
  3. أحسب أن ما يجمع بينهن هو حسن التوكل واليقين بالله

    ReplyDelete
  4. أحسب أنها الثقة بالله و الله أعلم

    ReplyDelete