أنها أحدى اللحظات الشيطانية التى تجعلك تتطلع إلى ما فى يد الأخرين من
نعم حتى ولو كانوا أقرب الناس إليك...لا تدعى أنك ملاك...من منا لم يمر
بها...مررت بها قريبًا...رأيت صديقتى الجميلة وزوجها واطفالها
الرائعين...تطلعت إليها وأنا أتساءل لماذا لا يكون لى عائلة كهذه؟ وكدت
أذوب خجلًا عندما تذكرت أن والدة صديقتى توفت وهى صغيرة وأنها عاشت معظم
حياتها محرومة من حنان الأم الذى تمتعت أنا به... سألت نفسى "تحبى تبادلى؟
هناك
عبارة جاءت فى أحد الأفلام المصرية "جرى الوحوش" وأصبحت بعدها متداولة بين
الناس وهى أن كل واحد ربنا أعطاه 24 قيراط رزق ولكنهم مختلفين من إنسان
لآخر...فهذا أعطاه الله الأولاد..وهذا أعطاه الله المال ..وهذا أعطاه الله
الصحة...وكان الفيلم مباشر جدًا فى عرض القصية فكان "نور الشريف" محروم من
الأولاد بينما "محمود عبد العزيز" فقير وكأنه يقول لنا أرأيتم؟ ولكن لا
اعتقد أن هذه العبارة صحيحة بهذا الشكل المباشر وذلك لأنك لو عملت مسح آنى
snapshot
لمجموعة
من البشر بكل ما لديهم من رزق لوجدت بعضهم يتمتعون بنعم أكثر من الآخرين
...بل أن هناك من الناس من تشعر أنهم متبهدلين بمعنى الكلمة..فى حين أن
البعض يعيشون فى منتهى الرفاهية
فى حين أننا لو عملنا هذا
المسح فى نهاية الرحلة ..ربما لوجدنا معظم الناس متساويين فى الابتلاءات
والنعم...فهذا تعرض لحادثة بشعة فى صغره وهذه لم تتزوج وهذا عاش فقيرًا
وهذا أصابه السرطان فى أواخر أيامه وهذه كان زوجها مفترى وهذا ابنه أصبح
ولد عاق
فهل يتساوى الجميع فى نهاية الرحلة فى حساب ال24 قيراط رزق؟
إن كل نعمة من نعم الدنيا يصاحبها واحد من هذه الابتلاءت
1- ابتلاء الحرمان: أن تُحرم من النعمة نفسها وبالطبع يزداد هذا الابتلاء كلما كنت محبًا لهذه النعمة
فمثلًا ابتلاء الحرمان من الذرية يكون أشد فى المرأة من الرجل بسبب غزيرة الأمومة عندها
2-
ابتلاء الشكر: أعطاك الله النعمة كما تحب وترضى ولكن هل ستشكر أم ستقول إنما أوتيته على علم عندى؟
3- ابتلاء أداء حق النعمة: هل بذلت كل مجهود فى المحافظة على النعمة؟
فمثلًا هل ربيت أولادك وعلمتهم وأعطتهم وقتك وجهدك واهتمامك أم تركتهم لتجلس مع أصحابك وتلعب على النت
4- ابتلاء تحول النعمة إلى نقمة:
.ولد كان قرة عين أبويه انقلب لمدمن...وصارت مصائبه المتكررة وبالًا على الأسرة
منصب وجاه وسلطان..انقلبوا إلى فتنة قد تجعلك لا تنام من مخافة الحساب
فرح وكوشة وزفة ومعازيم ينقلبوا إلى زوج سيىء الطباع وحماة متسلطة وحياة أقرب إلى الجحيم
5- ابتلاء الفقد: تخيل بعد أن تألف النعمة وتتعود عليها أن ينزعها الله منك انتزاعًا
وربما
يصل بك التمنى أن تكون قد ابتليت بالحرمان بدلًا من أن تتمتع بها ثم
تفقدها ...مثلًا هناك صديقة لى مطلقة تتمنى ألا تكون قد تزوجك وعاشت أى
مشاعر رومانسية مع زوجها وترى أن غير المتزوجة أفضل حالًا منها
فلو
نظرنا فى حقيقة الأمر إلى رحلة كل انسان لوجدناه يتقلب مع كل نعمة ما بين
ابتلاء الحرمان، وابتلاء الشكر، وابتلاء أداء حق النعمة، وابتلاء تحول
النعمة إلى نقمة، وابتلاء الفقد.....فإذا كنت صابرًا فى ابتلاء الحرمان من
أحدى النعم فلا يعلم ألا الله هل إذا أعطاك الله إياها هل هتصمد أمام بقية
الابتلاءت أم لا؟
نرجع للسؤال: هل فى نهاية الرحلة يتساوى الجميع فى ال24 قيراط؟
سأل
سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه اللرسول صلى الله عليه وسلم , أَيُّ
النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ : الأَنْبِيَاءُ , ثُمَّ الأَمْثَلُ
فَالأَمْثَلُ , فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَإِنْ
كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ , وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ
رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ
بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ
خَطِيئَةٌ .
فلو نظرنا للإنسان المتدين جدًا على أنه أخذ 18 قيراط من ال24 قيراط تحت بند الدين لذا فابتلاءه يكون أشد
.. ممن حصل على 6 قيراط تدين مثلًا
طيب تحب تبادل؟
هنا قد يفكر المرء وهل هذه مكافأة إيمانى؟ أن يشتد ابتلائى وتتكاثر عليا المحن والشدائد؟
دعنى أشبه لك الأمر بامتحان ال
GRE
الذى
لابد أن يؤديه من يريدون تحضير الدراسات العليا فى الولايات المتحدة
الأمريكية...الجزء الرياضى من هذا الامتحان عبارة عن 30 مسألة فى 30 دقيقة
...تقوم بحلها على الكمبيوتر ولكن برنامج الامتحان معد بحيث يبدأ بأسئلة
سهلة جدًا وكلما جاوبت إجابة صحيحة ياتى السؤال التالى أشد صعوبة أما لو
جاوبت إجابة خاطئة فياتى السؤال التالى أسهل....وهكذا تعرف أنك ستحصل على
درجة مرتفعة فوق ال700 من 800 إذا كانت الأسئلة الأخيرة شديدة الصعوبة لأنك
نجحت فى إجابة معظم الأسئلة السابقة وهذا طبعًا ليتم التمييز بين
المتفوقين (غالبًا يكونوا خرجيى هندسة) فمنهم من سيحصل على 800 ومنهم من
سيحصل على 780 وهكذا
وبالمثل لو كانت الأسئلة النهائية سهلة نوعًا ما فسيعنى هذا أنك ستحصل على ما بين 600 و700 وهى درجة جيدة بالنسبة للتخصصات الأدبية
فإذا
كنت مهندسًا على سبيل المثال فلا يوجد معنى أن تتذمر من صعوبة أسئلتك
مقارنة بسهولة أسئلة زميلك خريج سياسة ﻷنك فى النهاية تلعب على فوق ال750
فى حين أنه لو حصل على 600 فسيكون شىء رائع
الفكرة أن
الابتلاءت هكذا...ابتلاؤك فى رحلة حياتك قد يكون أشد من غيرك ﻷنك فى مستوى
إيمانى مختلف عنه وكما أوضحنا أن الابتلاء نفسه لا يشترط أن يكون بالمصائب
بل قد يكون بالسراء أيضًا. قال تعالى "ونبلوكم بالشر والخير فتنة"..فمثلا
أرى أن رئيس الجمهورية أشد ابتلاءًا من رجل فقير مريض من عامة الشعب...فقد
ابتلاه الله بابتلاء الشكر وابتلاء أداء حق النعمة وهما فى رأيى فد يكونا
أشد ضراوة من ابتلاء الحرمان والفقد
الخلاصة هى أنك لو كنت فى امتحان ال
GRE
وتركته
لتتجول فى المعمل وترى أسئلة كل واحد وتحاول أن تستنج إذا كانت أسهل من
أسئلتك أم لا وإذا كان سيحصل على درجة أعلى منك أم لا وهل البرنامج عادل أم
ظالم...لو فعلت هذا فبالتأكيد لن تجد وقتًا لحل امتحانك أنت شخصيًا
لذا ركز فى شاشتك وأسئلتك
دينا سعيد
21-07-2012
----------------------
ملحوظة:
شكرًا حمزة نمرة على الإلهام بأغنيته الجديدة "بتحب حاجة"
http://www.youtube.com/watch?v=uAi7nJ9Z9mU&feature=share
No comments:
Post a Comment